*الفاشر تنتظر القرار: بعد انهيار المليشيا، لماذا يتأخر فك الحصار؟”*

تعيش مدينة الفاشر واحدة من أكثر لحظات التاريخ السوداني حساسية وتعقيدًا، بعد أكثر من عام من الحصار الذي فرضته مليشيا الدعم السريع على المدينة، والذي أدى إلى كارثة إنسانية شاملة: جوع، عطش، شلل تام في الخدمات، وانتشار مروّع للأوبئة، في ظل غياب كامل للمساعدات الإنسانية وصعوبة دخول أي إمدادات طبية أو غذائية.

لكن المتغير الجديد – والأهم – في المعادلة، هو أن المليشيا التي كانت تُطوّق المدينة قد انهارت ميدانيًا إلى حدٍ كبير. فوفقًا لتقارير ميدانية وشهادات متطابقة من داخل المدينة، فإن خطوط المليشيا تراجعت، وغابت قدرتها الهجومية، وباتت عاجزة عن فرض السيطرة على محيط الفاشر كما كانت تفعل في السابق. كما أن المقاومة التي واجهتها من داخل المدينة — من القوات النظامية والقوات المشتركة والمجتمع المحلي — فاقت تقديراتها.

هذا الانهيار الميداني يُمثّل لحظة فارقة، ويُعيد صياغة السؤال الملحّ: لماذا لم يصدر حتى الآن القرار النهائي بتحريك القوات إلى داخل الفاشر؟ ولماذا لم يُحسم الموقف ميدانيًا رغم أن الظروف أصبحت مواتية بشكل غير مسبوق؟

من الناحية العسكرية، المؤشرات واضحة:

القوات النظامية في المناطق المحيطة جاهزة.

الخطة الميدانية — بحسب مصادر متطابقة — مكتملة.

الحصار يترنح، والمليشيا فقدت جزءًا كبيرًا من قدرتها على المناورة.

ومن الناحية السياسية، فإن هذا التوقيت يُعد لحظة استراتيجية بالغة الأهمية لإعادة فرض سيطرة الدولة على المدينة، وإيصال رسالة واضحة لكل المواطنين بأن المؤسسات الرسمية لا تتخلى عن مدنها، ولا تتركها وحدها في وجه الأزمات.

الجهة المعنية باتخاذ هذا القرار هي مجلس الأمن والدفاع، الذي يقع على عاتقه التقدير النهائي للموقف من كل زواياه الأمنية والإنسانية والسياسية. ومع تفاقم الأوضاع في الداخل، وتوفر الشروط الميدانية، فإن التحرك بات مسألة مسؤولية وطنية وليس مجرد خيار سيادي.

لماذا يُعدّ التأخير الآن مقلقًا؟

لأن المدينة وصلت إلى نقطة حرجة من الانهيار الإنساني.

لأن المليشيا لم تعد تمتلك زمام المبادرة عسكريًا.

لأن الشارع السوداني، والمواطنين داخل المدينة، ينتظرون فعلًا حاسمًا لا بيانات.

ولأن استمرار الوضع الحالي يفتح الباب أمام إعادة تموضع المليشيا أو تكرار سيناريوهات كارثية حدثت في مدن أخرى.

ليس المطلوب تهورًا أو اندفاعًا، بل قرارًا محسوبًا، شجاعًا، ومسؤولًا.
الجيش ليس في موضع ضعف، والفرصة الحالية — بعد تراجع المليشيا — قد لا تتكرر. ومن المصلحة الوطنية أن تُترجم هذه اللحظة إلى استعادة الفاشر، إنسانيًا وأمنيًا، بأسرع وقت ممكن.

إن مجلس الأمن والدفاع أمام مسؤولية تاريخية، لا تحتاج إلى مزيد من التردد. كل المعطيات تقول إن الوقت الآن مناسب للتحرك. وإن التأخير، حتى لو كان بدوافع احترازية، يجب أن يُعالج بشفافية، ويُبرر للشعب، لأن ما يحدث في الفاشر لم يعد شأناً محليًا، بل قضية رأي عام وطني.

الناس في الداخل ينتظرون. لا فقط الخبز والماء، بل القرار.
قرار يحمل قوة الدولة، وضميرها، ويؤكد أنها لا تتخلى عن المدن التي صمدت.

الفاشر ليست قضية عسكرية فقط، بل قضية كرامة وطنية.
وما بعد انهيار المليشيا، لا يجوز التلكؤ في الحسم.

مقالات ذات صلة