زيارة بروفيسور يوسف فضل حسن،
وأخصائي أمراض السكر والغدد الصماء والحسد؟
أحمد إبراهيم أبوشوك
(1)
كانت هذه الصورة بمناسبة زيارة قصيرة إلى بروفيسور يوسف فضل حسن وبروفيسور توحيدة عثمان حضرة في يوم الاثنين الموافق 22 يناير 2024، بمنزل صهرهما المهندس حسام جاويش وابنتهما الأستاذة علياء، بحي العزيزية بالدوحة، وبرفقة الدكتور فتح العليم عبد الله ود عايد، أستاذ التاريخ القديم بجامعة أم درمان الأهلية، والدكتور طارق عبد الكريم الهد، استشاري الطب الباطني والسكري والغدد الصماء بمؤسسة حمد الطبية، وشخصي. إذاً ما الذي يجمع بين الصديقين والبروفيسور يوسف؟ فتح العليم كان من طلبة بروفيسور يوسف وبروفيسور توحيدة النجباء بكلية الآداب جامعة الخرطوم، والذين تخصصوا في تاريخ السودان القديم، وله إسهامات مقدرة في مجال التاريخ الشفوي وكتابات صحافية ساخرة-هادفة؛ والدكتور طارق الهد من الأطباء الرواد، الذين أسهموا في توثيق تاريخ الطب والمؤسسات الطبية في السودان، وقد انجز مشروعاً رائداً في هذا المضمار بعنوان الاستعمار والتجارب (أو الممارسات) الطبية في السودان باللغة الإنجليزية (Colonialism & Medical Experiences in the Sudan, 1504-1956)، فضلاً عن ترجماته المتميزة لبعض أدبيات الأطباء البريطانيين، الذين عملوا في السودان، أمثال ليونارد باوسفيلد، صاحب كتاب “طبيب السودان، الخير الأرستقراطي”.
(2)
ما العلاقة بين زيارة بروفيسور يوسف فضل وأخصاصي السكر والغدد الصماء والحسد؟
ربما يعزي القارئ لمقدمة هذا المقال أنَّ المقصود بالجزء الثاني من العنوان هو الدكتور طارق عبد الكريم الهد؛ لكن البُعد بين ود الهد والحسد كبعد المشرقين، فود الهد طبيب إنسان بقدر ما تحمل الكلمة من معنى، فهو من الذين وهبهم الله القدرة والصبر على قضاء حوائج الآخرين. لكن أصل التسمية يرجع إلى مقالٍ ساخرٍ نشره الدكتور فتح العليم بعنوان “احذروا النجاح”، وختمه بقوله: “في السودان نجد أن الشخص إذا أراد تأكيد شيء ما، بلَّ سبابته ووضعها أسفل حنجرته، وقال: “في ذمتي دي!!”؛ لكنك لو فتحت هذه المنطقة بمشرط معقم لن تجد أي أثر للذمة التي اشار لها هذا الشخص. ومع ذلك يقبل الناس هذا التأكيد، زد على ذلك لم أجد في حياتي لافتة طبيب مكتوب عليها اخصائي أمراض السكر والغدد الصماء والحسد.”. لكي لا أفسد عليكم قراءة هذا المقال، دعونا نستمتع ونأنس بقلم فتح العليم الساخر والهادف في آن واحد، والذي له تقاطعات ومشتركات كثيرة مع واقعنا المعيش في السودان اليوم.
(3)
احذروا النجاح!
بقلم د. فتح العليم عبد الله محمد
الشخص الناجح المتفوق والوطني والمتفاني هو الضحية في عالم ثلثاه من الفشلة، أن لم يكن 4/5 منه. فالمتمعن بنظره في معظم المصالح والمؤسسات قطاع عام وخاص، يجد أن الشخص الأمين ذا السلوكيات الراقية منبوذ وغير مرغوب فيه، بل وتحاك له الحيل والدسائس كي لا يستمر بهذه النزاهة. وذلك لأنه بفعله هذا يكون قد أثار غيرة العاجزين واشعرهم بالدونية، أو أوقف سيل المال العام في غير وجه حق. وهاتان تهمتان تكفي واحدة منهما لكن تجعله أحد نزلاء العناية المكثفة، أو مستشفى الأمراض العقلية. في الثقافة السودانية نجد الكثير من الحكاوي والممارسات التي تدل على أن الأغلبية المنهزمة تكره الأقلية المنتصرة والمنزهة. فنجد أن فاطمة السمحة كانت ضحية جمالها، فأخذتها صويحباتها إلى الخلاء، وربطنها إلى جزع شجرة كي تموت عطشاً. والأول في المدارس الابتدائية يجلد جلداً مبرحاً يوم النتيجة بكل أنواع الأحذية، فقط لأنه تقدم الصفوف. وبالتالي يكون قد تسبب في تخلف الآخرين ومعاداة السامية. وقد يكون هذا الشعور متأصلاً في البشر. والدلالة على ذلك نجد أن ابناء سيدنا يعقوب قد كادوا لسيدنا يوسف، فقط لأنه مليح ونزيه وذكي، ويستأثر بحب أبيه. وكانت النتيجة أن قذفوا به في بئر، ثم أخذه بعض السيارة، ثم باعوه في مصر لأنه يتمتع بصفات كريمة. وهذه في العرف العام جناية.
وأراهن على أن المتميزين الذين هاجروا إلى بلاد أخرى لم يذهبوا بحثاً عن المال، لأنهم قادرون على الحصول عليه هنا. والناجح في بلده ناجح بره أيضًا… أذن ما السبب؟ السبب هو مضايقة الزملاء ذوي السلوكيات المعوجة، والذين قعدت بهم ظروفهم لفقدانهم للأهلية أو مقومات الاستمرار المتميز، فجنحوا إلى مضايقة المتفوقين كي لا يظهر عجزهم وقعودهم. وبما أن تلك الأقلية السمحة الراقية تستنكف أن تدخل في مساجلات مع الاغلبية الفاشلة، خاصة وأن المضايقة تتكون من الصغائر، ويكون أثرها مؤلماً بالتراكم، فإن الناجح لا يثير قضية ولا يفتح بلاغاً، فقط يكتفي بأن يتقدم باستقالته، أو يذهب في سكوت إلى بلد آخر بحثاً عن التقييم وبعيداً عن الحساد.
والحسد يكاد يغطي كل أنواع النجاح بل ويفيض. وتعريف الحسد هو تمني زوال نعمة الغير كما عرفنا، أما الآن فقد ظهر جيل جديد من الحسد، أي حسد (Pentium 5)، وهو تمني زوال الغير «ذاتو». الذي يبني طابقين يشتكيه جاره بحجة أنه اطلع على عورات منزله، والطالبة التي تحرز درجات راقية تتهم بعلاقتها فوق البنفسجية مع الأساتذة…
ولكي نضع النقاط على الحروف فهذا الحسد لا يأتي من بعيد، انما يأتي من زملائك في مهنتك، أو جوارك الجغرافي أو حتى الارحام، لأن الذي خارج هذه الدوائر ليس بينك وبينه ما يستوجب المضايقة أو الحسد… وإذا لزمنا الصمت فسوف نصحو يومًا، ونجد أن كل الطيبين والمهرة والاذكياء قد غادروا مواقعهم، وتكون المؤسسات والمدن حكراً على الذين يجيدون صناعة المتاريس وتعويق دواليب التنمية. والحسد يُولِّد مع الانسان، وهو نشاط هدام يكبر مع الزمن، وعلاجه غير موجود، لأن الحسد نفسه ما معروف وين، يعني ليس مثل الحبن، والصداع، والانزلاق القضروفي. وفي السودان نجد أن الشخص إذا أراد تأكيد شيء ما، بلَّ سبابته ووضعها أسفل حنجرته، وقال: “في ذمتي دي!!”؛ لكنك لو فتحت هذه المنطقة بمشرط معقم لن تجد أي أثر للذمة التي اشار لها هذا الشخص. ومع ذلك يقبل الناس هذا التأكيد، زد على ذلك لم أجد في حياتي لافتة طبيب مكتوب عليها اخصائي أمراض السكر والغدد الصماء والحسد.”
(4)
خاتمة:
انتهى مقال الدكتور فتح العليم الساخر-الهادف بخيره بعد أن وضع سبابته على مواطن شره، التي تكمن في الحسد، والذي قال عنه أحد الحكماء: “الأنانية تُولِّد الحسد، والحسد يُولِّد البغضاء، والبغضاء تُولِّد الاختلاف، والاختلاف يُولِّد الفرقة، والفرقة تُولِّد الضعف، والضعف يُولِّد الذل، والذل يُولِّد زوال الدولة وزوال النعمة وهلاك الأمة”. نسأل الله أن يحفظ أهل السودان من تداعيات هذه الحرب اللعينة، التي أشعلتها الأنانية السياسية الموقظة للفتنة والحسد.