جاء في الاخبار ان الاتحاد الاوروبي اصدر عقوبات على عدد من الشركات السودانية اهمها شركة زادنا العالمية للاستثمار.
ما يهمنا هو شركة زادنا العالمية للاستثمار هذه الشركة العملاقة التى تعمل بإمكانيات ممتازة لتطوير القطاع الزراعي بمختلف مكوناته.
استهداف زادنا ليس وليد اليوم؛ فقد استهدفتها سيئة الذكر لجنة التفكيك دون وجه حق وصادرت ابراجها في بحري دون بينة ولاحقت الكثير من اصولها وحساباتها ولم تعثر على شيء، ورغم ذلك ظل الاستهداف مستمرا، وكذلك استهدفها القحاتة بكل السبل والطرق بتوجيهات من وكلائهم الخارجين، ولأن الشركة بما لديها من خبرة وقدرات هي الوحيدة القادرة على منافسة رأس المال الاجنبي الذي يهدف للسيطرة على القطاع الزراعي المروى بكامله، ذلك هو سبب الاستهداف الاساسي ولكن هيهات. وفي اتون الصراع الحالى بين الوطنيين وو كلاء الاستعمار كان سيكون من النشاز جدا الا يستهدف القحاتة الشركة..!
فزادنا ومهما قيل عنها ومهما رميت بالتهم الجزافية تظل شركة سودانية رائدة اسستها و تديرها كفاءات وطنية انجزت ما عجز عنه الكثيرون وستستمر في لعب دورها الوطنى غير عابئة بأراجيف القحاتة و غيرهم من شاكلة العملاء السافرين والمستترين.
ويبدوا ان قرار الاتحاد الاوروبي جاء على خلفية اشتباه مفبرك ان الشركة تقوم بتمويل الجيش الخ… و لا ادري ما هى الغرابة ان تقوم شركة وطنية بتمويل الجيش الوطنى في ظل تحديات خطيرة تهدد وجود الدولة نفسها. بل الغريب ان لا تقوم زادنا او اى شركة وطنية اخري بذلك! بل الاغرب من كل ذلك ان تستنكر بعض الدول علينا ان تفعل شركاتنا الوطنية وقطاعنا الخاص ذلك!
ترى هل نحتاج لتذكير الاوروبيين بشركاتهم التى مولت حروبهم الاستعمارية، وهذا تاريخ قريب آمل الا نضطر لتذكيرهم به؛ وكما يقول المثل (البيته من زجاج عليه ان لا يرمي الاخرين بالحجارة).
اناقش هذا الامر في نقطتين:
الاولى هى ان فرض العقوبات على شركاتنا الوطنية رغم انه ظالم ومجحف، الا انه جيد على المدي البعيد. بمعنى ان هذا الامر سيدفع القطاع الخاص الوطنى والشركات الكبري للاعتماد على الذات اكثر، الامر الذى يعزز من فرص النمو الاقتصادى المعتمد على تراكم الخبرات الفنية والادارية الداخلية وهذه تمثل الفتيل الذي يشعل النهضة الاقتصادية وان صعب الطريق في بداية الامر . فالاعتماد على الذات وعلى الخبرات الوطنية هو الطريق الوحيد للنهضة ولا يوجد غيره كنا علمنا ونعلم من تجارب الشعوب.
اما النقطة الثانية فتتعلق بالشرط الاساسي للنهضة الاقتصادية . هنا يجب علينا تذكر الحقيقة التاريخية الراسخة في ادبيات التنمبة الاقتصادية وهي انه لا توجد اى امة نهضت معتمدة على الهبات والمعونات والقروض الاجنبية..! فبعد اكثر من ستة عقود بعد الحقبة الاستعمارية و اتفاقيات (بريتون وودز) التى اسست البنك الدولى و صندوق النقد الدولى كممولان لتكريس التخلف والتبعية ما يزال غالب الدول النامية يرزح في ربق الديون والفقر والتخلف. و من واقع ادبيات التنمية نعلم ايضا ان ثلاثة عقود – بافتراض ان الاوضاع السياسية مستقرة والعمالة المدربة متوفرة بحانب توفر الطاقة الخ – كافية لخروج الدولة من التخلف والانتقال لمرحلة الاقتصاد المزدهر او الدول متوسطة الاقتصاديات المكتفية ذاتيا و التى تصدر اكثر مما تستورد. لكننا الان وبعد ستة عقود نرى – ربما- كل الدول التى تعتمد على المعونات الخارجية تزداد فقرا وتخلفا وتغرق في المزيد من الديون. بمعنى آخر كلما ابتعدت الدولة عن الاقتراض الخارجي وكلما ابتعدت عن المنح والهبات و(عطايا المزين) كلما تحسنت فرصتها في النمو و النهضة و الانطلاق والعكس صحيح. فكلما انغمست الدولة في الاقتراض الخارجي والاعتماد على الهبات كلما غرقت في الديون وتضاءلت حظوظها في النمو والازدهار. هذه هى خلاصة ستة عقود من تجارب محاولات التنمية الاقتصادية على مستوى العالم، والامثلة (بالطرناشات)! ولا يستطيع اى مختص ان يجادل في هذه الحقيقة وهى واقع ملموس لا تخطئه العين.
ولذلك من رائي انه ما كان لوزارة الخارجية ولا شركة زادنا ان تحتجا على القرار بل كان عليهما ان ترحبا به ترحيبا حارا لانه يساعد بقوة على دفعنا في الاتجاه الصحيح اى الاعتماد على انفسنا، هذا من ناحية.
من الناحية الاخري لم يعد عالم اليوم معتمدا على رأس المال الغربي ولا الخبرة الفنية ولا المعاملات التجارية مع الغرب. فالتجارة مثلا مع الصين والهند افضل بكثير من اوروبا لان الاثنين لوحدهما يمثلان تقريبا ثلث سكان العالم بينما سكان الاتحاد الاوروبي بدوله السبعة وعشرين لا يصل الخمسمائة مليون نسمة. وما تعلمناه من ابجديات الاقتصاد ان سوق به قرابة الثلاثة مليار افضل بكثير من سوق به نصف مليار.
علينا ايضا ان نتذكر ان سطوة الغرب على رأس المال، التكنولوجيا والخبرة الفنية قد انتهت، وأن الحضارة الاوروبية اصبحت حضارة آفلة كما افلت حضارات وامم قبلها ولن تجد من يذرف عليها الدموع، مع انى لا استبعد ان يذرف عليها البعض دموع التماسيح .
عالم اليوم ملىء بالمستثمرين واصحاب رؤوس الاموال ومن يمتلكون الخبرات الفنية من صنع الابرة الى وضع المركبات على القمر. لقد انتهي وسقط احتكار الغرب لرأس المال والتكنولوجيا.. انتهي تماما ولم يعد هنالك مسوغ موضوعي يبرر عنجهيته تجاه الاخرين.
ربما يكون بعض اصدقائنا في اوروبا مازالوا غارقين في (نوستلجا) القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين حين كانت السطوة لهم يملأون البحار سفنا ويجوبون الفيافي بجيوشهم!
ترى من يذكرهم ان العالم قد تغير وان موازين القوى ما عادت كما كانت وان عليهم ان يصحوا من ثباتهم الطويل.
لكل ذلك لم يرق لي بيان وزارة الخارجية اطلاقا. وكان على وزارة الخارجية الاكتفاء بقاعدة الجزاء من جنس العمل، بمعنى اختيار ثلاثة شركات اوروبية كبيرة وحرمانها من العمل في السودان الى ان يغير الاتحاد الاوربي موقفه.
صدقونى ان حوجة شركاتهم للعمل في بلادنا اكبر بكثير من حاجة شركاتنا للتصدير لهم او اقتراض الاموال منهم او الاستفادة من خبراتهم الفنية. هم من يحتاحوننا ولسنا نحن من نحتاجهم، ولكن العلاقات الدولية الموروثة مقلوبة تماما.
من نافلة القول، فبدون موارد افريقيا لن تجد شركاتهم مشروعات كى تعمل فيها، هذه حقيقة يعرفها طلاب السنة الاولى في كلية الاقتصاد. علينا اذن ان نتذكر ان بلادنا بعد نهاية الحرب ستوفر فرصا ضخمة لمشروعات اعادة البناء ولذلك حرمان شركاتهم من الاستفادة منها ومن عقوداتها سيكون مؤلما وشديد الوقع والتأثير عليهم.
يتوجب علينا ان نعرف مكامن قوتنا ونوظف ما عندنا من اوراق بصورة افضل ويجب تذكير القوم ان قراراتهم هذه لم تعد تؤثر في أحد، فالعالم مملؤ حد التخمة برأس المال والمستثمرين والخبرات بل اصبح العالم بازارا ضخما لكل شىء، وبالنظر لما لدينا من موارد بوسعنا اختيار ما نرغب فيه! فالمشترى هو من يختار وليس البائع.
لا شك اننا فى حوجة ماسة لاعادة النظر فيما لدينا من اوراق ومعرفة مكامن قوتنا والالمام بحقائق عالم اليوم ويجب علينا الخروج من من المفاهيم الموروثة.
ختاما التحية لزادنا و للعاملين فيها وليتأكدوا ان نجاحهم هو ما جلب عليهم الاستهداف، فلو كنتم فاشلين لما تذكركم أحد، لا الاوروبيون ولا وكلائهم القحاتة.
استمروا فللنجاح تكلفته وضريبة.
هذه الارض لنا