*ماجدة خوجلى* *مبادرة “كِيلة بلح لأهلنا في الفاشر”: حينما ينتصر التضامن الشعبي على خطاب العنصرية*

🖊 *ماجدة خوجلى*

*مبادرة “كِيلة بلح لأهلنا في الفاشر”: حينما ينتصر التضامن الشعبي على خطاب العنصرية*

في قلب المِحن التي تعصف بالسودان، تظل مواقف الناس البسيطة أبلغ من كل الشعارات. من هذه المواقف ولدت مبادرة “كِيلة بلح لأهلنا في الفاشر”، التي أطلقها أبناء الشمال دعمًا لإخوتهم المحاصرين في إقليم دارفور. مبادرة قد تبدو متواضعة في شكلها، لكنها عميقة الدلالة، عظيمة الأثر، تعكس جوهر الشخصية السودانية القائمة على التكافل والتراحم وتقاسم اللقمة بين الجار وأخيه.

سياق المبادرة وظروفها

تأتي المبادرة في وقت تتعرض فيه مدينة الفاشر لحصار قاسٍ جعل أوضاع الأهالي الإنسانية بالغة الصعوبة، حيث يعانون من نقص الغذاء والدواء والضروريات الأساسية. في خضم هذا الواقع المؤلم، لم يقف أبناء الشمال مكتوفي الأيدي، بل سعوا لإرسال رسالة إنسانية تحمل معنى الإحساس بالآخر. فجاءت “كِيلة البلح” كرمز يختصر الموقف: لا نملك الكثير، لكننا نقاسمكم ما نملك، ولو حفنة تمر.

قيمة المبادرة الرمزية

المغزى الحقيقي من هذه الخطوة لا يقف عند حدود المساعدة الغذائية، بل يتجاوزها ليؤكد أن السودان، على تنوعه الجغرافي والقبلي والثقافي، جسد واحد يتألم كله إذا اشتكى عضو منه. “كِيلة البلح” هي ترجمة عملية لهذه الحقيقة، وهي أيضًا رد صريح على محاولات بث الكراهية وزرع الشقاق بين مكونات الوطن.

الرد على الأصوات المشككة

منذ سنوات تحاول بعض الأصوات العنصرية والمتطرفة اتهام أهل الشمال بعدم الاهتمام بما يجري في دارفور. هذه المبادرة جاءت لتسقط هذه المزاعم سقوطًا مدويًا. فالبلح الذي خرج من الشمال نحو دارفور لم يكن مجرد غذاء، بل كان جسرًا يربط بين القلوب، ودليلًا على أن ما يجمع السودانيين أكبر بكثير من محاولات التفريق بينهم. إنها خطوة صغيرة في ظاهرها، لكنها تحمل في باطنها رسالة وطنية قوية: “من دارفور إلى الشمال، ومن الشمال إلى دارفور، الدم واحد والمصير واحد.”

البعد الاجتماعي والوطني

على مرّ التاريخ ظل السودانيون يتقاسمون الأفراح والأحزان. في الأزمات تتكشف المعادن الحقيقية للشعوب، ومبادرة “كِيلة بلح” تمثل الوجه الأصيل للشخصية السودانية التي لا تعرف الأنانية، بل ترى أن إنقاذ حياة جائع أو مريض في أي بقعة من السودان هو واجب إنساني ووطني. كما تؤكد أن السودان ليس جغرافيا متنافرة، بل نسيج متماسك يشد بعضه بعضًا.

المبادرة كوثيقة أخوة

يمكن القول إن هذه المبادرة ليست حدثًا عابرًا، بل وثيقة أخوة وتكافل يجب أن تُحفظ وتُروى للأجيال. فهي برهان عملي على أن الشعب أقوى من كل محاولات التسييس والانقسام. ولعلها تصبح بداية لمبادرات أخرى أكثر تنظيمًا واتساعًا، تحمل الدعم ليس فقط في شكل الغذاء، بل في التعليم والصحة وإعادة البناء، بما يرسّخ وحدة السودان من جديد.

خاتمة

إن مبادرة “كِيلة بلح لأهلنا في الفاشر” ليست مجرد مبادرة إغاثية، بل هي رسالة هوية، تعلن أن هذا الشعب سيظل يتكئ على قيم التكافل والتراحم مهما اشتدت الأزمات. إنها دليل على أن أصوات العنصرية والفرقة زائلة، بينما ستبقى هذه المواقف الإنسانية شاهدة على أن السودان، بكل تنوعه وتباينه، وطن واحد لا يتجزأ.

*ماجدة خوجلى*

مقالات ذات صلة