*قوة دفاع السودان.. قراءة تاريخية وقانونية في سياق حق الدفاع المدني والجماعي..وائل عبدالخالق مالك*

..

في مقاله المنشور بسودانايل بتاريخ 3 أكتوبر، عبّر د. الواثق كمير عن قلقه من خطوة تأسيس قوة دفاع السودان، واعتبرها ميليشيا جديدة تهدد وحدة الدولة، خاصة في ظل غياب موقف واضح من الحكومة أو المجلس السيادي أو القوات المسلحة.

لكن النظر إلى المسألة يحتاج لتأطير تاريخي وقانوني أوسع. فمنذ تأسيسها عام 1925 وحتى سودنتها في 1954، كانت قوة دفاع السودان المؤسسة العسكرية الرئيسية، وأحد أهم عناوين الهوية الوطنية الحديثة. استدعاء هذا الاسم اليوم ليس محض حنين تاريخي، بل محاولة لاستعادة رمز وطني يوحي بالانضباط والشرعية، في مقابل حالة التشظي العسكري والسياسي التي يعيشها السودان، حيث ينظر كثيرون إلى اتفاقيات السلام الموقعة باعتبارها منحت امتيازات واسعة للحركات المسلحة، بينما همشت أقاليم الشمال والوسط والشرق.

يتيح القانون الدولي الإنساني للمدنيين حق الدفاع عن أنفسهم ومجتمعاتهم في حالات النزاع المسلح غير الدولي. المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف واضحة في هذا الشأن، لكنها تضع ضوابط أساسية تتمثل في الالتزام بالتناسب والضرورة العسكرية، وتجنب استهداف المدنيين أو البنية التحتية، واحترام المعايير الإنسانية. من هذه الزاوية يمكن النظر إلى قوة دفاع السودان كإحدى صور ممارسة هذا الحق، شريطة أن تخضع لإطار قانوني وتنظيمي واضح يضمن ضبطها ومساءلتها.

أما داخليًا فقد نصت اتفاقية جوبا للسلام (أكتوبر 2020) على ترتيبات أمنية لدمج الحركات المسلحة في القوات النظامية. غير أن غياب التوازن الجغرافي والسياسي في الاتفاقية جعل قطاعات واسعة ترى أنها غير ممثلة، وهو ما أعاد طرح فكرة قوى مدنية منظَّمة تدافع عن مجتمعاتها، وتسد الفجوة التي تركها العجز الرسمي.

الجدل الحقيقي إذن ليس في أصل الحق، وإنما في كيفية ممارسته. التحدي هو ضبط العلاقة بين هذه القوة وبين القوات المسلحة الرسمية، والتأكد من توافقها مع القوانين الوطنية والدولية. أي تشكيل عسكري خارج إطار واضح للدمج، والتفكيك، أو الرقابة الحقوقية، قد يتحول بالفعل إلى تهديد للأمن الوطني بدل أن يكون سندًا له.

المهم هنا أن الحكم على مثل هذه المبادرات لا ينبغي أن يقوم على الاسم أو الصورة الإعلامية والابتزاز السياسي. فالرؤية المؤسسة لقوة دفاع السودان كما طُرحت تضمنت إجابات قانونية وسياسية معتبرة، وحددت آليات تحكم النشاط وتمنع استغلاله لأهداف جهوية أو سياسية. هذه الرؤية اعتمدت على منهج إدارة المخاطر في تقييم التهديدات، وقياس التأثيرات، ووضع ضوابط دقيقة للعمليات. تجاهل كل ذلك والاكتفاء بالأحكام المسبقة يختزل النقاش في مستوى متدني من اللاموضوعية، وبعيدًا عن الأسس الاستراتيجية والقانونية.

في ظل الحرب المشتعلة بالبلاد وغياب الحماية الكافية للمدنيين، تبدو الحاجة واضحة لاستنهاض طاقات المجتمع لدعم القوات المسلحة السودانية، باعتبارها عمود الدولة الفقري. ومن هنا جاء تأسيس قوة دفاع السودان كترجمة لحق الدفاع المدني والجماعي، شريطة أن يكون تحت إشراف وإمرة القوات المسلحة بما يضمن الانضباط، ويحول دون الانزلاق إلى التشرذم أو عسكرة المجتمع.

الرفض المطلق لمثل هذه المبادرات دون تقديم بدائل عملية لمعالجة التهديدات واسبابها هو تجاهل للواقع. والمسؤولية تقتضي أن نُحسن التنظيم، ونُمارس حقنا المشروع في حماية أهلنا وأرضنا، بينما يستمر عجز النخب السياسية عن وقف الحرب أو معالجة أسبابها.

وائل عبدالخالق مالك

#جيش_واحد_شعب_واحد
#مافي_مليشيا_بتحكم_دوله
#ضد_الجنجويد
#حكومة_الامل
#جيشنا

مقالات ذات صلة