كيف يسمح العالم لنفسه أن يشاهد الإعدامات الميدانية أمام الكاميرات وكأنما يشاهد برنامجًا تافهًا على شاشة بلا سند أخلاقي أو قوة رادعة؟ كيف تُترك قبائل كاملة لتُستباح وتُطرد وتُذبح لأن جزءًا من شبابها حارب في صفوف القوات المشتركة بينما المجتمع الدولي يختبئ وراء بيانات “القلق” وصيغ “ندعو إلى ضبط النفس”؟ هذا لا يُفسَّر بجهل أو ارتباك بروتوكولي فقط، بل هو قرار سياسي عملي يجعل من الصمت مشاركة، ومن التقاعس حماية ضمنية لمن حولوا الهزيمة الميدانية إلى مشروع انتقامي مبرمج. الدعم السريع لم يعد مجرد مجموعة مسلحة خارجة عن القانون، بل منظومة عنف متكاملة تستثمر الإذلال والإرهاب كأسلوب للحكم؛ هي تهاجم حيث تعتقد أن الخصم القَبَلي قدم مقاتلين، فتُطبّق العقاب الجماعي على قريتهم بأكملها، تقتل الرجال، تختطف النساء، تحرق الحقول، تترك الأطفال يتيمين وتوزع الخوف كقانون جديد في الأماكن التي تريد احتلالها اقتصادياً وسياسياً. هذه سياسة انتقامية واضحة النية، نابعة من إحساس بالغبن والهزيمة الميدانية أمام القوات المشتركة، فحين تُحكم الهزيمة على ساحة المواجهة تُستبدَل بالسيطرة عبر الإرهاب المنهجي على المكون القبيل ، وبالتركيز على الموارد: أرض ومواشي وأسواق تمر عبرها حياة القرى. في الخلفية تعمل شبكات تمويل مرنة لا تتوقف عن التحول؛ ذهب يُصرف بعيدًا، قنوات تجارية وحسابات تتلاعب بها كيانات وواجهات، وسطاء ينقلون سلاح المرتزقة عبر طرق معروفة لدى من لديهم مصلحة ببقاء الفوضى. هذا التكامل بين التهديد العسكري والتمويل الاقتصادي والسياسة المحلية يعطي المليشيا قدرة شبه مؤسسية على الإفلات من العقاب، لأن المساءلة الدولية تتعثَّر عند تقاطع المصالح، ويقف مجلس الأمن عاجزًا أمام الفيتو وحسابات دولية أو دولة، وتظل محاكم الاستحقاق الدولي بطيئة في معالجة أدلة مصوّرة تُرفع كل يوم كفصول جديدة من الجريمة. النتيجة على الأرض مروعة: مخيمات مكتظة، شبان طردوا من مواطنهم، نساء حُوِّلن إلى سجون عاطفية بجروح لا مرئية، اقتصاد محلي محطم، ومجاعة تلوح علي الأفق لأن سبل العيش دُمرت عمداً. الاغتصاب الجماعي الذي تُستخدمه المليشيا ليس فعلًا فاحشًا فحسب بل تقنية حرب تهدف إلى تحطيم الروابط الاجتماعية وترك أثر يمتد لأجيال، والإبقاء على مجتمع مُنهك لا يملك طاقة المقاومة. أما عن السلاح والمرتزقة فهما شريان حياة هذه الآلة: نجاح القوات المشتركة في ميدان ما لا يعني نهاية التهديد لأن البديل قائم في الشارع؛ مرتزقة يُستقدمون بإمكانات ووسائل، وذخائر تُمرَّر عبر قنوات لا يراقبها نظام دولي ضعيف الإرادة. إذا واصل العالم صمته فإن الهزيمة العسكرية ستستبدل بسياسة تطهير ممتدة تُستغل فيها الهشاشة الدولية، وهذا يعني أننا أمام دورة انتقامية لا تنتهي إلا بقطيعة جذرية مع قواعد التمويل والامتداد اللوجستي للمليشيا. المطلوب الآن إجراءات فورية وجذرية: كسر قنوات التمويل عبر تتبع الذهب والكيانات الواجهة، فرض عقوبات ذكية ومحددة على أفراد وكيانات، تنفيذ مراقبة حدودية إقليمية بمشاركة دولية فعّالة لوقف تدفق السلاح والمرتزقة، حماية الصحفيين والموثقين والشهود بآليات إيواء وخطوط أمنية آمنة، وإطلاق آلية تحقيق دولية مستقلة ذات سلطة تنفيذية سريعة لتحويل الأدلة المصوَّرة والشهادات إلى أوامر توقيف وتجميد أصول. لكن العمل القانوني وحده لا يكفي إن لم يقترن بدعم إنساني واسع لإعادة بناء شبكات الحياة المحلية وبرامج نفسية واجتماعية للناجين وبرامج اقتصادية طارئة تمنع تحول الضحايا إلى أدوات انتقامية مستقبلية. الصحافة الاستقصائية المحلية والدولية مدعوة لتحويل كل شهادة وفيديو إلى خارطة ضغط تستهدف أسماءًا وكيانات محددة، والمجتمع المدني مطالب بتكوين تحالفات ضغط دولية تربط بين ملفات الجرائم والقنوات المالية، والدبلوماسية يجب أن تخرج من لغة الاحتجاج إلى لغة العقاب المالي والسياسي الفعّال. التاريخ سيحكم ليس فقط على من ارتكب الجرائم بل على من اختار الصمت؛ كل يوم إضافي من الصمت هو يوم إضافي لدماء تُسفك وأسر تُفقد صلة الأرض بها، وكل تأجيل هو فرصة تُمنح لمن يريدون تحويل الهزيمة الميدانية إلى مشروع إبادة مدني، لذا فالمعادلة واضحة: إما قطع شرايين التمويل واللوجستيات وفرض مساءلة سريعة، أو الاستعداد لمشاهدة فصول جديدة من العنف تُستغل فيها ضعف العالم ليصير السودان مختبرًا للوحشية المنظمة حيث لا يلزم سوى صمت طويل ليصبح القتل قانونًا واقعياً.وقال صالح شاهد عيان على هذه الانتهاكات المنظمة من المليشيا، إن الجنجويد تمادوا في وحشيتهم بعد أن تأكدوا من صمت المجتمع الدولي، العالم كله يعرف هذه الجرائم ويعلم بوجود تمويل ودعم لوجستي من جهات كبرى تغذي المليشيا وتتجاوز حدود الدول، ويسمع مناشدات المواطنين لكنه لا يستجيب، لماذا لا أعرف، المليشيا تستهدف قبائل الفور والزغاوة والمساليت والبرقو انتقاماً من هزيمتها وقوة وصمود القوات المشتركة التي قاتلت مع الجيش ودمرتهم على أسوار الفاشرواضاف بعض من يدعمون المليشيا يقومون انها التقدم في الميدان لكن إذا كانت تتقدم كما يدعون لماذا لا تواجه العسكريين مباشرة وتترك المدنيين في حالهم؟ لماذا تختار القتل بدافع الانتقام؟ معروف تاريخياً أن الجنجويد لا أخلاق لهم في القتال، وهذا التاريخ يتكرر اليوم في سلوك منظم ومنهجي يعكس إرادة انتقامية مدفوعة بالإفلات من العقاب وبشبكات دعم تمتد خارج الحدود داعيا في ختام شهادته العالم أن يتوقف عن الصمت، وتفعيل قرارات صارمة تحمي المدنيين وتقطع شرايين التمويل واللوجستي الذي يسمح لمثل هذه الوحشية بالاستمرار.
أقرأ التالي
الأخبار
8 أكتوبر، 2025
*الخطوط البحرية السودانية تنعي د محمد طاهر إيلا*
الأخبار
8 أكتوبر، 2025
*منة شلبي: “هيبتا 2” تجربة جديدة ولا يوجد حب مثالي*
الأخبار
8 أكتوبر، 2025
*السيسي: سأدعو ترامب لحضور توقيع الاتفاق بشأن غزة*
8 أكتوبر، 2025
*الدكتور علي بابكر سيد أحمد وكيلا لوزارة الصحة الإتحادية*
8 أكتوبر، 2025
*قرارات بتشكيل قوة مشتركة.. وفتح منافذ لشراء الذهب بمناطق الإنتاج*
8 أكتوبر، 2025
*اعيان الزومة بمحلية مروي ينظمون حفلة وداع للاستاذ عبدالعزيز علي سيداحمد عضو اتحاد المحامين العرب*
8 أكتوبر، 2025
*الخطوط البحرية السودانية تنعي د محمد طاهر إيلا*
8 أكتوبر، 2025
*المنتدى القومي لشركاء قطاع الصحة يواصل أعماله لليوم الثاني ويناقش عددًا من الأوراق العلمية*
8 أكتوبر، 2025
*منة شلبي: “هيبتا 2” تجربة جديدة ولا يوجد حب مثالي*
8 أكتوبر، 2025
*بن غفير يقتحم ساحة المسجد الأقصى..وحماس تندد: “خطوة استفزازية متعمّدة”*
8 أكتوبر، 2025
*وزير خارجية مصر للعربية.نت: نتحرك بثبات نحو إنهاء الحرب في غزة*
8 أكتوبر، 2025
*أردوغان: ترامب طلب من تركيا “إقناع” حماس بالموافقة على خطته لإنهاء حرب غزة*
8 أكتوبر، 2025