*ثوران مفاجئ لبركان «هيلي جوبي» في إثيوبيا يثير القلق العالمي ويُعيد فتح ملف الصدع الأفريقي*

أديس أبابا – سودان 4نيوز

في حدث وُصف بأنه، غير مسبوق منذ العصر الحجري، انفجر بركان «هيلي جوبي» (Hayli Gubbi) الخامد في إقليم عفر شمال شرق إثيوبيا، مطلقاً عموداً هائلاً من الرماد والغازات البركانية بلغ ارتفاعه أكثر من 14 كيلومتراً (حوالي 46 ألف قدم)، وهو ما جعله يخترق طبقات الجو العليا وينتشر عبر قارات.

البركان، الذي لم يُسجل له أي نشاط منذ ما بين 10 إلى 12 ألف سنة، يقع في قلب «مثلث عفر»، المنطقة الجيولوجية النادرة التي تتلاقى فيها ثلاث صفائح تكتونية كبرى “العربية والنوبية والصومالية”. هذا التلاقي يجعل المنطقة واحدة من أكثر بقاع الأرض نشاطاً تكتونياً، ويُعتبر النواة المستقبلية لمحيط جديد سيفصل القرن الأفريقي عن بقية القارة خلال ملايين السنين القادمة.

تأثير عابر للقارات

أظهرت صور الأقمار الصناعية الأوروبية (Copernicus Sentinel-2) ونظام «هيمواري» الياباني انتشار سحابة الرماد البركاني بسرعة فائقة مع الرياح العليا. بحلول مساء الأحد وصلت آثار الرماد إلى غرب اليمن، ثم سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، وفي غضون أقل من 24 ساعة شوهدت طبقات خفيفة من الغبار البركاني فوق شمال غرب الهند وجنوب باكستان.

أعلنت هيئة الطيران المدني الهندية تعليق حركة الطيران مؤقتاً في أجواء راجستان وجايبور ودلهي تحسباً لترسّب الرماد على محركات الطائرات، بينما أصدرت سلطنة عمان بياناً رسمياً يؤكد رصد تلوث جوي طفيف ويطمئن المواطنين بأن التركيز لا يشكل خطراً صحياً حتى الآن.

لماذا الآن؟

يقول الدكتور جيمس هاموند، أستاذ الجيوفيزياء في جامعة بيركبيك بلندن وأحد المتخصصين في وادي الصدع الأفريقي: “مثلث عفر يشهد منذ 2005 عملية تمدد تكتوني هائلة أطلقنا عليها اسم Dabbahu Seismic Event، حيث فتحت عشرات الشقوق وتدفقت كميات ضخمة من الصهارة تحت السطح. ما نشهده اليوم قد يكون امتداداً طبيعياً لهذه العملية، لكن التوقيت المفاجئ لثوران بركان كان خامداً آلاف السنين يفتح الباب لتساؤلات جدية”.

من بين التفسيرات العلمية المطروحة:

1. انتقال الصهارة أفقياً من بركان إرتا أليه النشط (على بُعد 15 كم فقط) عبر قنوات تحت سطحية حتى وجدت نقطة ضعف في هيلي جوبي.

2. زيادة الضغط التكتوني المتراكم في المنطقة خلال العقدين الأخيرين.

3. احتمال (لا يزال قيد النقاش) لتأثير الزلازل المُحفَّزة بالخزانات المائية (Reservoir-Induced Seismicity) الناتجة عن ملء سد النهضة الذي يبعد حوالي 250 كم فقط ويحمل الآن أكثر من 64 مليار متر مكعب من المياه – أي ستة أضعاف خزان سد كوينا الهندي الذي تسبب في زلزال بقوة 6.3 درجة عام 1967.

غياب الإنذار المبكر

أبرز ما كشفه الحدث هو غياب أي نظام رصد بركاني حديث في إثيوبيا. اكتُشف الثوران أولاً من قِبل السكان المحليين في قرية أفديرا، ثم من الأقمار الصناعية الأوروبية والأمريكية، وليس من مراكز الرصد الإثيوبية.

يُعد ثوران هيلي جوبي تذكيراً صارخاً بأن القرن الأفريقي يجلس فوق واحدة من أكثر المناطق جيولوجية ديناميكية على وجه الأرض، وأن أي تغيّر – طبيعي كان أو بفعل الإنسان – قد يحمل تبعات تمتد آلاف الكيلومترات. ويبقى السؤال المُلح، هل نشهد بداية مرحلة جديدة من النشاط البركاني المكثف في وادي الصدع العظيم؟

العلماء يقولون إن الإجابة لن تتضح إلا خلال الأسابيع القادمة… لكن الطبيعة، كالعادة، لا تنتظر إذناً من أحد!.

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole