هذه ليست دعوة للشفقة ولا منصة لتبييض السقوط ولا تمرينًا على العواطف المتأخرة هذا عمود اتهام مهني يضع الأسماء في مواضعها ويكسر أقنعة الزيف ويغلق أبواب التلاعب بالكلمات مصعب الهادي ليس صحفيًا بالمعنى الذي تحمله المهنة من قيم ومسؤولية ومنهج وحماية للإنسان بل هو نموذج صارخ لتحوّل الاسم المهني إلى غطاء سياسي-مليشياوي وكل محاولة لربطه بالصحافة اليوم ليست سوى عملية تزوير أخلاقي مكشوفة الصحافة ليست بطاقة حصانة وليست مظلة نجاة لمن اختار الاصطفاف مع آلة الخراب وليست جمعية خيرية تُعيد الغفران لمن بدّل القلم بالبندقية والضمير بالدعاية ومن هنا يبدأ الفصل القاطع الذي لا يقبل المساومة الصحافة بريئة من كل من انتمى للمليشيا وشارك في خطابها أو برر أفعالها أو صفق لجرائمها أو صمت عنها صمت المتواطئ
الهجوم هنا ليس شخصيًا بل مبدئيًا لأن الجريمة ليست في الاسم بل في الاختيار ومن اختار أن يقف في صف المليشيا التي شاركت في كل سيئ—قتلًا ونهبًا وحصارًا وتهجيرًا وانتهاكًا—قد وقّع بنفسه على إخراج اسمه من سجل المهنة لا لأن أحدًا منعه بل لأنه هو من خلعها عن كتفيه بإرادته وكل حديث لاحق عن الزمالة تضليل وكل دعوة للتضامن القسري خداع وكل دمعة متأخرة لغة سياسية رخيصة
أما بقال ومن سار على دربه فالمسألة أوضح من أن تُدار بالمجاملات لا أحد يملك حق فرض التضامن على المهنة التضامن فعل أخلاقي حر يُمنح لمن صان القيم لا لمن دهسها ومن يطالب الصحفيين بالوقوف مع مليشياوي لأنه “زميل” يطلب منهم خيانة مهنتهم علنًا وتحويل الصحافة إلى ملحق دعاية هذا الطلب مرفوض جملة وتفصيلًا لأن المهنة لا تُدار بالعواطف ولا تُقاد بالابتزاز ولا تُغسل بالبيانات
نفتح النار البلاغية هنا على الفكرة فكرة أن الانتماء للمليشيا خطأ عابر يُغتفر فكرة أن الاسم الصحفي يمحو أثر الجرائم فكرة أن التضامن واجب حتى حين ينهار الضمير هذه الأفكار هي الخطر الحقيقي لأنها تُعيد إنتاج الجريمة بصيغة لغوية ناعمة وتُسهم في تمييع المسؤولية وتحويل الضحية إلى هامش والجلاد إلى “زميل”
ليكن الأمر واضحًا لا مساواة بين صحفي مهني ظل شاهدًا نزيهًا ورفض الاصطفاف وحافظ على مسافة أخلاقية وبين من اختار الالتحام بآلة القتل لا مساواة بين قلم واجه السلطة بالسؤال وبين منشور برّر الانتهاك لا مساواة بين من دفع ثمن الموقف وبين من تقاسم الغنيمة الرمزية مع المليشيا هذه ليست انتقائية بل عدالة مهنية
إن الإصرار على خلط الأوراق جريمة ثانية لأن المليشيا لم تكن فكرة نظرية بل واقعًا دمويًا ملموسًا وكل من تبعها أو دافع عنها أو التمس لها الأعذار شارك في تسويق الخراب حتى لو لم يطلق رصاصة واحدة المشاركة الأخلاقية ثابتة بالخطاب وبالاصطفاف وبالصمت المريب والادعاء اليوم بأن “النية كانت حسنة” لا يُعيد الزمن ولا يُسقط المسؤولية
نعم نطالب بالحقيقة حول مصير أي إنسان وحقه في الحياة هذا حق إنساني لا نقايضه لكنه لا يبيّض السجل ولا يعيد اللقب ولا يفرض التضامن الصحفي الحقوق الإنسانية لا تُستخدم عملة لغسل الانتماءات السياسية-المسلحة والتمييز بين الحق الإنساني والمكانة المهنية واجب أخلاقي لا لبس فيه
ونقولها بوضوح أشد أي صحفي تبع للمليشيا أو دافع عنها أو روّج لها أو استثمر في خطابها خرج من تعريف الصحافة مهما طال الزمن ومهما تغيّر الخطاب ومهما اشتدت محاولات ترميم الصور لا تُرمّم بالبيانات بل بالمواقف والمواقف لا تُستعار بعد الكارثة
الهجوم يمتد إلى كل من يحاول اليوم إعادة كتابة القصة كأنها سوء فهم أو نزاع شخصي أو مشاجرة عابرة القضية أوسع وأعمق قضية مهنة تُختطف حين يُسمح للانتماء المسلح أن يتخفّى بعباءة الصحافة وقضية ذاكرة عامة تُشوَّه حين يُعاد تقديم المتواطئ ضحية بلا سياق وقضية عدالة تُغتال حين يُطلب من الضحايا أن يصمتوا احترامًا لزمالة زائفة
أما سؤال لماذا نتضامن مع صحفيين مهنيين بعينهم فالإجابة بسيطة لأنهم بقوا صحفيين لأنهم لم يتورطوا لأنهم لم يبرروا لأنهم لم يساوموا لأنهم حافظوا على الحد الأدنى من الأخلاق في زمن الانهيار التضامن هنا ليس مكافأة بل اعتراف بالموقف
هذا العمود فتح نار لغوي على كل محاولة للتلاعب على كل خطاب تبرير على كل تضامن قسري على كل اسم يظن أن المهنة درعٌ يحميه من المحاسبة وعلى كل من يريد للصحافة أن تصمت كي لا تُغضب المليشيا أو أصدقاءها أو أنصارها الصحافة التي تصمت تموت والصحافة التي تساوم تفقد اسمها
الخلاصة قاطعة مصعب الهادي وبقال وكل صحفي تبع للمليشيا ليسوا ممثلين للمهنة ولا متحدثين باسمها ولا مستحقين لامتيازاتها الاخلاقية التضامن معهم تزوير والمسافة الأخلاقية عنهم واجب وحماية الصحافة تقتضي قول الحقيقة كاملة بلا تخفيف وبلا خوف وبلا مواربة لأن التاريخ لا يحفظ الأعذار بل يسجل المواقف
الحرية للزميل معمر إبراهيم



