في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد ، والحرب الدائرة على الشعب السوداني ، لا تزال قطط الفساد السمان تلهو وتمرح بين أجهزة الدولة ، وتسلك أسوأ السبل نحو تحقيق المصالح الذاتية الضيقة بعيدا عن النزاهة والشرف وأداء الأمانة بحقها ، وهو أمر يحتاج لرقابة شعبية صارمة بعد أن تناسى العديد من المسؤولين والموظفين الحكوميين رقابة الله في حين غابت رقابة الدولة عن هؤلاء ، بل وصارت أحيانا أجهزة الدولة الوكيلة برقابة المستويات الأدنى من السلطة شريكة لها في الفساد والتجاوزات المالية .
شهدت مدينة حلفا الجديدة خلال الأيام السابقة إضطرابات شعبية واسعة قادتها قطاعات المزارعين وجمعياتهم التعاونية ونقاباتهم الزراعية ، وقد خرج مزارعو مشروع حلفا الجديدة رفضا لمدير مؤسسة حلفا الجديدة الزراعية المهندس الزراعي احمد خليفة ادريس والذي خرج المزارعين مطالبين برحيله على خلفية قضايا فساد وفشل في ادارة المشروع .
ومدير المؤسسة الحالي والذي هو مدير الشؤون الهندسية السابق بالمؤسسة والذي تم تشكيل لجنة تحقيق بشأن مخالفاته في أغسطس 2023 بواسطة المدير السابق للمؤسسة المرحوم المهندس محمد عبده ، وذلك على خلفية اصدار تصديق مالي بدون تخويل لوزير الزراعة الاتحادي المكلف أبو بكر البشرى ، وكذلك التواطؤ بصرف أسمدة ومدخلات زراعية بطريقة غير صحيحة ومخالفة لضوابط صرف المدخلات ، كما تكونت لجنة التحقيق وفقا لقانون محاسبة العاملين بالخدمة القومية لسنة 2007 ، وذلك بعد وقف المذكور عن العمل بالمؤسسة من الاول من أغسطس 2023 ، وإثر ذلك تم عزل المدير السابق المرحوم محمد عبده بواسطة وزير الزراعة ثم عين مكانه المهندس احمد خليفة ادريس رغم ان قضيته لا زالت قيد النظر في المحكمة بتهمة خيانة الأمانة ، وقد قدم احمد خليفة طعنا اداريا ضد مؤسسة حلفا الزراعية في محكمة الطعون ضد قرار ايقافه عن العمل ، ولم تفصل المحكمة في الطعن حتى الآن .
وقد قام مجتمع حلفا الزراعي بممثليه بالاحتجاج على وجود احمد خليفة مديرا للمؤسسة رغم ما هو مثار حوله من الشبهات من استغلال للنفوذ ومخالفة للوائح والقوانين ورغم الشبهات حول علاقة المصلحة التي تربطه بوزير الزراعة المكلف والذي يحميه ويحرص على بقائه في المؤسسة ، وقد كانت الإحتجاجات حادة وذات بعد شعبي كبير وقد نفذ المزارعون اعتصاما بمباني المؤسسة إلا أن القوات المسلحة والنظامية تدخلت وتوسطت لإرشاد المحتجين لإدارة هذه القضية عبر الطرق السلمية فتم تكوين وفد برئاسة الأستاذ علي صالح وذهب لحكومة الولاية بمدينة كسلا لمقابلة الوالي إلا أن الوفد لم يتمكن من مقابلة الوالي ، والوفد الآن عازم على التحرك نحو بورتسودان لحل هذه القضية ، وان لم يفلح ذلك الأمر فالمزارعون عازمون على إحتلال مكاتب المؤسسة بالقوة وتعيين مدير جديد وجدير بهذا الموقع .
وللأسف كل هذه الأحداث تجري ومدينة حلفا الجديدة منطقة تماس عسكري مهددة بكثير من المخاطر الأمنية من المليشيا المتمردة مع العلم بأن الخلايا النائمة تنشط في ظل الأجواء المتعكرة وتستغلها لتهديد الأمن والسلم الداخلي للمواطنين ، ففي ظل هذه الظروف ، لماذا يستميت البعض في التمسك بمناصب ليسوا أهلا لها ولا جديرين بالبقاء فيها ؟ ولماذا يستقوون بقوة السلطة السياسية للوقوف ضد إجراءات إدارية طبيعية كان الأولى أن ينتظر فيها المدير المعين قرار المحكمة ببراءته من ما هو منسوب إليه أو إدانته فيأخذ جزاءه .
أقول أن مسيرة مؤسسة حلفا الجديدة الزراعية هي مسيرة مبنية على المؤسسية والنزاهة الإدارية منذ إنشائها قبل أكثر من نصف قرن ، ومواطني ومزارعي مشروع حلفا الجديدة لن يفرطوا في مكاسبهم ولن يتركوا مديرا مغضوبا عليه منهم يتربع بلا وجه حق على المؤسسة التي تدير أكل عيشهم ومصدر رزقهم الوحيد حتى وإن كان ذلك المدير محمي من وزير الزراعة أو يقدم خدمات دعم إجتماعي لمسؤولين أو ناشطين أو صحفيين أو غيرهم