حرقوا البيوت، سرقوا ما تحويه، نهبوا السيارات ومحراث الأرض، نهبوا المحاصيل وشردوا الإنسان، ولكنهم لم يسطيعوا نزع الأرض من أحلامنا.
دمروا المكتبات، والجامعات والمراكز الثقافية وعبثوا بعظام الأجداد في المتاحف والقبور، ولكنهم لم يسطيعوا محو ذاكرتنا، لأنها روحنا التي لا يحصدها الرصاص ولا تلتهمها النيران.
دفنوا الصبية أحياء، ثم بالوا على صراخهم، ولكنهم لم يفهموا أن ذلك التراب الذي احتضن دمهم، كان يهمس لهم : عدتم إلى رحم أمكم وستنجبكم مرة أخرى.
زيفوا أصواتنا، ثم طلبوا منا أن نغني، فلم نبك، ولكنهم فزعوا عندما ملأ صمتنا الآفاق بأناشيد الحياة.
سنحكي عنكم لأحفادنا، وسيحكون لأحفادهم أذن، سننحت سيرتكم الدموية في صخور الجرانيت في كل جبل وسهل ووادي وشجرة وذاكرة.
تلك البطون الخاوية، والعظام التعبة، والدماء التي يبست على الشرايين، والنيل الحزين، والرمل الذي يئن تحت وطأ سياراتكم المقاتلة، والشهداء الذين نهضوا فوق رصاصكم، كل ذلك، هو مهرٌ لبناء نهضتنا التي ستبقى.
انزعوا الزهور من ثدي الأرض: ولكن ليس بإمكانكم أن تمنعوا المطر أن يلثم شفاهنا التي جرحتم.
أقول لكم: من يقتلنا يقوينا، لأننا باقون، وللأبد.
بركة ساكن