هل تكثف «كشوفات البرهان» حالة الحجاب بين الشعب والانقلاب؟

بات في حكم الاعتيادي، ألا يمر أسبوع دون أن يصدر رئيس مجلس السيادة الانقلابي، قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، مراسيماً وفرمانات تقضي بذهاب مسؤولين في نظامه وإحلال آخرين محلهم، من دون تكليف نفسه بإعطاء أيِّة توضيحات للرأي العام.

الخرطوم: التغيير

ضمن جملة كبيرة من الإعفاءات والتعيينات في صفوف السلطة التنفيذية والخدمة المدنية وصولاً لقادة الجيش، لم يجرْ الاتفاق إلا على سيناريو إقالة إلا في حالة عضويِّ مجلس السيادة، الهادي إدريس والطاهر حجر.

ومع أن بيان مجلس السيادة الانقلابي، أمسك عن ذكر المسببات –كما هو حاله وديدنه- لم يثرْ الجدل المتوقع بين السودانيين، بشأن إقالة إدريس وحجر، حيث جرى الاتفاق على أن تحرك البرهان نابعة من موقف الرجلين المستعصم بالحياد والرافض للحرب.

ومنذ اندلاع الحرب المدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي، درج قادة الجيش على وصم رافضي الحرب بنعوت الخيانة وموالاة الطرف المتحصن بالخندق المقابل.

ومن جملة إقالات كثيرة في صفوف أعضاء الحكومة المكلفين، أطاح البرهان بوزراء: الداخلية والعدل والصناعة والشؤون الدينية، بجانب حكام ولايات: الجزيرة، كسلا، غرب كردفان، وسط دارفور، جنوب دارفور، والشمالية.

وفشل البرهان منذ انقلابه على الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين في 25 أكتوبر 2021 في تشكيل حكومة لقيادة البلاد، جراء حركة الاحتجاجات الواسعة والمستمرة، ونتيجة فشله في تسويق حلفاءه السياسيين كبديل لقوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة المعزولة).

وضمن أهم التغييرات، كانت الإطاحة بالرجل الثاني في هرم الانقلاب، ونعني قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) من منصبه في مجلس السيادة، اعتراضاً على ما يصفه البرهان بتمرده على الدولة، وتعيين مالك عقار بديلاً له.

وفي آخر كشف، أنهى البرهان تكليف وزير الداخلية الفريق شرطة خالد حسان محي الدين، وعين محله خليل أمرقيل.

ولم يمكث وزير الداخلية إلا أشهر معدودات، ليلحق بسلفه عنان حامد، الذي كان من أول ضحايا كشوفات البرهان بعد بدء المواجهات بين طرفي النزاع في السودان.

وفي ذات فرمان وزير الداخلية، أطاح البرهان بوزير العدل محمد سعيد الحلو، ووزيرة الصناعة بتول عباس، ووزير الشؤون الدينية عبد العاطي عباس، وتم إبدال المذكورين توالياً بـ: معاوية خير، ومحاسن يعقوب، وأسامة أحمد.

وكلف البرهان الطاهر إبراهيم بمهام والي الجزيرة خلفاً لإسماعيل العاقب، وموسى عبد الرحمن بمهام والي كسلا خلفاً لخوجلي حمد، وعابدين عوض الله بمهام والي الشمالية خلفاً للباقر أحمد علي، وعصام الدين هارون أحمد بمهام والي غرب كردفان خلفاً لمعتصم عبد السلام.

ويلحق المقالين بقائمة أولى أصدرها البرهان بعد أيام من اندلاع المواجهات المسلحة، وشملت وزير الداخلية، ومحافظ البنك المركزي، وسفراء بوزارة الخارجية، بجانب جنرالات في الجيش ضمنهم اللواء عثمان محمد حامد، وحسن محجوب الفاضل، وأبشر جبريل بلايل، والعميد الركن عمر حمدان حماد الذي يمثل قوات الدعم السريع في منبر مفاوضات جدة لنزع فتيل الأزمة السودانية.

أسرار الزهد
نجد أن جُلّ السودانيين على غير دراية بوجود حكومة مكلفة من قبل سلطات الانقلاب لإدارة شؤونهم العامة، دعك من معرفة المقالين أو المكلفين الجدد بالمنصب.

يفسر المحلل السياسي، سعيد عبد الرحمن، سر نهوض برزخ بين السودانيين وحركة الإعفاءات والتعيينات الأخيرة، بأنه نابع من حالة الزهد التي تسربت إلى نفوس العامة جراء البون الشاسع بين السلطة وهموم الناس.

وقال سعيد لـ(التغيير) إن سلطة الانقلاب، وفي امتداد لحالة التخبط التي تعتريها حتى قبيل 15 أبريل، فشلت بعد نشوب الحرب في حماية المدنيين، أو إنهاء الصراع عسكرياً أو عبر التفاوض، كما بدا أنها غير مبالية بأحوال المواطنين المنكوين بنير الحرب.

وشردت الحرب ما يزيد عن 6 ملايين سوداني عن منازلهم، وأودت بحياة قرابة 10 آلاف مدني، وأصابت البنية التحتية بأضرار جسيمة.

السياسة حاضرة
الإقالات والإعفاءات غير المتبوعة بتفسيرات، يمكن قراءتها في سياقات ثانية.

يقول الباحث السياسي، أبوعبيدة أيوب، لـ(التغيير) إن البرهان يهدف من تحركاته الأخيرة لتعلية الخيار العسكري، وهذا يتطلب إبعاد جميع رافضة الحرب أسوة بموقفه من عضويّ مجلس السيادة الهادي إدريس والطاهر حجر، وهو ما اعتبره الأخيران على أنه مخالفة صريحة لاتفاق السلام الموقع مع الجبهة الثورية في جوبا العام 2020.