أشرنا في الحلقة السابقة أن لكل دولة منطلقاتها وأهدافها، وها هي أخبار الثالث عشر من أغسطس 2024م تحمل أخباراً عن
جلسة لبرلمان جنوب السودان وجهت فيها السيدة/ جيما نونو كومبا رئيسة مجلس النواب؛ وجهت البرلماني جون أسانج بكتابة مقترح بشأن قضية توغل الجيش اليوغندي داخل الأراضي الجنوب سودانية.
فخلال أسبوعين في شهر أغسطس الماضي قتل من أهالي منطقة كاجو كاجي عدد 17 شخص منهم سبعة نساء جرّاء تعدِّ الجيش اليوغندي على المنطقة، وتم اختطاف ستة أفراد لم يعرف مصيرهم من بينهم ثلاثة جنود من جيش جنوب السودان موكل لهم حماية الحدود ولم يعرف مصيرهم بعد.
بعض أعضاء البرلمان قدموا إفادة للبرلمان بأن دولة يوغندا تمارس استفزازاً متعمداً لدولة جنوب السودان.
جلسة برلمان دولة الجنوب دلالة واضحة لما ذهبنا إليه في مقالنا الأول عن أن يوغندا في مأمن تام من أي تحرك ضدها من قبل حكومة الجنوب. وتناقلت الأخبار احتلال عدد من القرى تجاوز المائة.
*المعادن لعنة الأرض القادمة على جنوب السودان*
معدن الماس
من الدول الشهيرة به دولة الكنغو التي لها حدود طويلة مع دولة جنوب السودان. مثلها مثل دولة يوغندا التي لها حدود مباشرة مع شرق الاستوائية والاستوائية الوسطى.
ولعله من نافلة القول أن الحياة البرية التي كانت تنعم بها منطقة البيبور قد رحلت ليوغندا التي شكلت محمية برية تراقبها مراقبة مشددة إلى حد المراقبة الجوية بالطيران.
وعودةً للعنة المعادن فإن دولة الجنوب ستصبح مثل شرق الكنغو إن لم تنتبه لذلك. إذ ستتوغل بداخلها مجموعات أقرب للمافيا يوجد جزء من هذه المجموعات (أفريقية، عربية وجنوبية) على أراضيها ببعض المقاطعات الآن تنقب عن الذهب والماس بعيداً عن المؤسسات الحكومية ذات الصلة إلا من باب العلم فقط، لكنك لن تجد دولاراً واحداً في الميزانية من تلك المناجم، وبعضها يحرسها أفراد من الجيش اليوغندي.
في الحلقة الماضية أشرنا إلى وجود الجيش اليوغندي بمنطقة راجا التي تبعد عن أويل حوالي ستين ميلاً، ولها طريق آخر يبلغ حوالي ثلاثة وتسعين ميلاً يستخدم في بعض الأوقات. كما أنها تبعد عن واو بحوالي مائتين وسبعة أميال، والمناطق المذكورة تغلب عليها إثنية الدينكا.
أما مقاطعة الاستوائية الوسطى فتعتبر المنطقة الغنية بالموارد والمعادن هي ومنطقة شرق الاستوائية. وسكان المقاطعتين من إثنيات مختلفة من القبائل الاستوائية، وتعتبر هاتين المقاطعتين في حالة “شبه احتلال” ويصعب على حكومة جنوب السودان تحريك جيش لاسترداد أو حماية تلك المناطق لعدة أسباب، أهمها أن الرجل الأول في الدولة يصعب عليه اتخاذ قرار حرب ضد يوغندا البلد الذي يعتبر الموطن الأول لجهاز الموساد في إفريقيا. وما أن لوح الراحل قرنق بطلب أمواله من يوغندا لدعم خزينة بلاده؛ انضمت قيادتها لقرار تصفيته وقدمت تضحية بطائرة الرئيس وطياره الأول بالتنسيق مع عواصم أخرى دولية وإقليمية اتخذت متحدة قرار التصفية لأسباب سنتطرق لها في مقال آخر إن كان في العمر بقية.
السبب الثاني هنالك حالة ضعف وإنهاك تام لحكومة الجنوب لا يسمح لها بفتح جبهات قتال مع جارتها المحتلة لاراضيها. كما أن الصراع الجنوبي الجنوبي (الإثني) لخلافة سلفا والذي أصبح يقترب إلى السطح بصورة أكبر، صراع بين الدينكا في ما بينهم وصراع بين الدينكا والنوير من ناحية أخرى، مما يجعل من الصعوبة تحريك أي قوات كبيرة بمعدات وآليات حربية رادعة لأي قوة تحتل أراضي جنوبية، هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى.
أما في كمبالا فهنالك حالة شيخوخة اعترت دولة يوغندا إذ لم تعد دولة جاذبة، ولم تعد فاعلة بعد تعدد المحطات البديلة لقوى الشر. فأصبحت كينيا شبه بديل لها، ولم تجد لها نشاطاً غير التعدِّ المستمر على أراضي دولة جنوب السودان التي يعتريها طموح الساسة وأصحاب رأس المال وبعض العسكريين الذين يطمحون إلى كرسي الرجل الأول في الدولة. مما حدا بيوغندا تبنّي استراتيجية عدم الاستقرار في جنوب السودان.
ويوغندا ستصيبها لعنة الموارد والمعادن هذا إن لم تكن قد حلت بها بالفعل.
وفي ما يلي السودان؛ ليس من المصلحة أن يكون جنوبه في صراع مع أي دولة. وليس من المصلحة دخول قوات يوغندية لأي مدينة لها حدود بين السودان و دولة جنوب السودان. كما أنه ليس من المصلحة تغذية الذاكرة الشعبية بعداوات قديمة أو طارئة بأفعال مقاتلي النوير مع مليشيا الدعم السريع. وعلى السادة العسكريين والأمنيين والمفكرين الاستراتيجيين العمل المستمر على وضع الحلول الاستراتيجية وليست التكتيكية.
وعلى حكومة جنوب السودان تغيير طريقة معالجتها لقضاياها الكبرى بعيداً عن دوائر صنع القرار المعزولة عن بعضها. فمعلوم أن لدى الرئيس سلفاكير مستشارين في عدة مجالات ليس بينهم تفاهمات، وربما بينهم حواجز يصعب التكهن بمآلاتها.
في المقال السابق أشرنا إلى أن الاقتراب من النيل الأبيض يعني التغيير داخل منظومة الحكم بدولة جنوب السودان، ولم أرَ حينها أن الأمر بحاجة لكثير شرح. ولم تمر سوى أيام وإذا بالأخبار ترشح عن اتفاقية بين مليشيا الدعم السريع والنوير لإسقاط النيل الأبيض ومن ثم الانطلاق في عمليات حربية لتغيير نظام سلفا ليسلم الحكم للنوير. ورغم صعوبة تنفيذ هذا الاتفاق على الأرض إلا أن وضعه في خانة التفكير ضروري للغاية. ولأن هذا من ناحية العقيدة القتالية والطبوغرافيا لا يمكن تنفيذه بمليشيا الدعم السريع، لكنه مقصود في حد ذاته لصناعة توترات بين البلدين يعقبها قفل حدود ومضايقات داخل جوبا التي تعج بخلايا من الجنحويد.
ابوبكرحمزة