*هل يعود الوطن السودان الي أصله بعد التحرير؟* ___ بقلم / محمد أبوزيد مصطفي*

الشعب السوداني العظيم صاحب قيم عظيمة، وتقاليد موروثة جيلاً بعد جيل منذ الأصل الأول للبشرية، وكامثلة لا حصراً :

_التكافل الممتد عبر شجرة النسب الذي لا يفرق بين قريب من الدرجة الأولي أو الثانية، وسواءاً كانت قرابته عبر الأب او الأم، بل ذوو القربي الابعدون والاقربون سيان عنده تحت مظلة التكافل المتراحم.

_التواصل الحميم بين الأقرباء نسباً وصهراً وتساكناً وتجاوراً واغتراباً ، في سائر مناسبات الأفراح والأحزان، يتمظهر ذلك في كثافة التجمهرات التي تكتظ بالجموع البشرية.

_قدرة التحكم في التخاصم الذي يفرق ما بين الخلاف (السياسي والمذهبي والرياضى) وما بين العلاقات الاجتماعية
ذلك هو ادب عدم خلط الأوراق،
انها قدرةٌ تُلجِم التعديات الجنائية لئلا تتجاوز حدودها بما يعرف حصرياً بعرف (الجودية)

_امتلاك السلوك المتحضر الموروث عبر التاريخ والذي له قابلية التبدون المؤقت بحكم التصاهر والهجرات المتبادلة والغزوات الفكرية العفوية أو المرتبة، ولكنه في ذات الوقت له المناعة الذاتية التي تحصنه من الذوبان الكامل والشامل في الأجنبي فكراً وسلوكاً، مهما تكاثف عليه التمازج او الغزو أو تكاثرت عليه المصاهرات، فإن العراقة الموروثة جينياً سرعان ما تطرد الأجسام الغريبة. ودوماً يدهش من حوله ممن يختلطون معه بتفرده الذي لا شبيه له.

_التماهي مع التقاليد المستوردة، أو تلك التي يرتحل إليها مقيماً، أو تحل هي معه أو قريبا من داره، أو تأتيه قسراً ويسراً عبر الفضاء، ولكنه لا يلبث الا قليلاً حتي يتمكن من هضمها داخل احشائه ويحولها الي مادة وعنصرٍ منسجمٍ معه، فقد شهدنا من قبل غزواتٍ استيطانيةً غربيةً للتحديث والاسعمار فابتلعها وهضمها وطوعها، ثم جاءته نظريات بتنظيماتها الحركية من المشرق الاقصي تلتمس جغرافية تناسبها لتتوطن ولكن بيئته حورتها الي نموذج لم يناسب لا المُصدِّر ولا المستورِد، وقامت علي انقاضها كرد فعل فكرة وحركة مباينة لها فكرا وسلوكاً ممتزجة برياح الشمال مع هبوب الغرب لتشكل بديلاً منافساً اكثر تناسبية، ولكنها هي الاخري اصطدمت بذات الخاصية مما الزمها التعايش مع الداخل العصيّ، واجتماعياً وفكرياً وفدت إلينا من المشرق الادني تقاليد بدوية تشربتها بعض جالياتنا بل مواطنينا عبر الفتيا المدرهمة، وهي لا تزال تغلي في القداح ولسوف يكون منتهاها الي السودنة مهما طال زمان الغربة.

وخلاصة القول وجماع الحكمة هو ان اهل هذه البقعة التي أراد الله لها ان تستوطن قلب العالم ووسطه، إن تكون تقاليدها وسطاً ونموذجها متفرداً ، ولكن عليها – فقط – ان تنهض لتستدعي تهذيباً للسلوك من الشوائب والقاذورات التي إصابته بفعل الأجنبي فكراً وسلوكاً، مما اقتضته ضروريات الحياة التي تفرض علي الكل ان يكون مدنياً بالطبع. وتبادل المنافع أمر لازم لبقاء النوع وتطوره مع حركة الحياة التي لا تعرف الجمود، ولا يزال الإنسان يتفاعل مع غيره يكتسب ويعطي، والبقاء للإصلح صاحب القوة حجةً وثروةً وحديداً. ولسوف يظل الإنسان السوداني يتفاعل مع غيره يتأثر به ويكتسب منه الي حين ثم لا يلبث الا قليلاً حتي يعود في ملته والي فطرته السليمة مهما تكالبت عليه الأمم وتكاثرت عليه الاعادي حسداً وطمعاً .

مقالات ذات صلة