▪️في ظل الانهيار المتسارع للدولة السودانية، واستمرار الحرب العبثية التي مزقت النسيج الوطني وأضعفت المؤسسات، بات من الضروري إعادة ترتيب المشهد الوطني على أسس جديدة تُعيد الاعتبار للمناطق التي ظلت لعقود ضحية للتهميش والإقصاء. ومن هنا، تبرز أهمية الخطوة التي أُعلن عنها مؤخرًا بشأن توقيع مذكرة تفاهم بين “كيان الشمال – قوة حماية السودان” و”درع السودان”، في لحظة تاريخية تستدعي من القوى الوطنية الفاعلة أن تتجاوز الحسابات الضيقة، وتتوحد خلف مشروع وطني جامع يقوم على حماية الأرض وصون الكرامة.
▪️”قوة حماية السودان” هي مبادرة وطنية يتبناها كيان الشمال بقيادة السيد محمد سيد أحمد الجاكومي، وتهدف إلى إعادة الاعتبار للجهات المهمشة، وبناء قوة منظمة تُعبر عن مطالب أهل الشمال في إطار وطني جامع، وتحمل مشروعاً سياسياً واجتماعياً يقوم على فكرة استرداد الحقوق ومواجهة الظلم التاريخي. لقد ظل الشمال جزءاً أصيلاً من تكوين الدولة السودانية، ولا يمكن تجاهل دوره أو مصادرة إرادته السياسية.
▪️أما “درع السودان”، بقيادة القائد أبوعاقلة كيكل، فقد نشأ كقوة رديفة تُرفع شعار حماية السودان من التفتت والانهيار، ويسعى إلى بناء تكتل عسكري ومدني يستند إلى رؤية وطنية تتجاوز الانقسامات العرقية والحزبية. ومع تصاعد المخاطر الأمنية وتراجع قدرة الدولة على بسط سيادتها، أصبحت مثل هذه الكيانات ضرورة وطنية لا بد من الاعتراف بها والتعاطي معها كجزء من الحل، لا كأداة صراع إضافية.
▪️إن مذكرة التفاهم المرتقبة بين الكيانين ليست مجرد وثيقة تعاون، بل هي خطوة استراتيجية نحو بناء تحالف وطني جديد يقوم على إعادة تعريف مفهوم القوة في السودان: قوة لا تفتك بالمواطن، بل تحميه، ولا تُستخدم لأجندات خارجية، بل تُوظف لصالح مشروع وطني جامع. ومن خلال هذا التحالف، يمكن للكيانين أن يساهما في استعادة التوازن المختل في البلاد، وملء الفراغ الأمني الذي تتسع رقعته يوماً بعد يوم.
▪️جوهر هذا التحالف يكمن في ثلاث نقاط محورية: أولاً، إعادة الاعتبار للجهات التي ظلت لعقود خارج حسابات السلطة والثروة؛ ثانياً، بناء قوة ردع مشروعة في وجه أي محاولات لفرض واقع سياسي بالإكراه أو السلاح؛ وثالثاً، تقديم نموذج اتحادي جديد يعكس التنوع السوداني الحقيقي، بعيداً عن المركزية الفاشلة التي أنتجت كل أزمات السودان منذ الاستقلال.
▪️ولأن المرحلة تتطلب نضجاً سياسياً ورؤية متماسكة، فإن نجاح هذا التحالف مرهون بمدى قدرته على تقديم مشروع سياسي متكامل، لا يقتصر على التنسيق العسكري، بل يشمل رؤية اقتصادية واجتماعية وثقافية تعيد الأمل للمواطن السوداني في الشمال والشرق والغرب والوسط. كما يتطلب الأمر قيادة رشيدة تدرك أن معركة بناء السودان لا يمكن أن تُخاض بالأدوات القديمة، بل بفكر جديد يتجاوز الفشل التاريخي للنخب المركزية.
▪️وبينما يستعد الكيانان لتوقيع مذكرة التفاهم، فإن رسالتهما يجب أن تكون واضحة: لا مكان بعد اليوم لصراع الهويات، ولا مجال لاحتكار الوطنية، فالسودان لكل أبنائه، ومن أراد بناءه فعليه أن يضع مصلحة الشعب فوق مصالح الأحزاب والطوائف.
▪️اللحظة الآن لحظة مفصلية، والخيارات أمام الشمال باتت محدودة، فإما الاستمرار في خانة المظلوم المُتفرج، أو الانتقال إلى موقع الفعل والتأثير ضمن تحالف وطني عريض، تكون فيه حماية السودان مشروعاً فعلياً، لا شعاراً أجوف.