في خضم التحولات العميقة التي يشهدها السودان بعد الحرب تطرح أسئلة جادة حول مستقبل السياسة الخارجية لكن ما يزال السؤال الأهم: هل تمتلك وزارة الخارجية السودانية ما يكفي من الجاهزية والفعالية لتقود هذا التحول؟
فالمؤسسة الدبلوماسية التي كان يفترض أن تكون واجهة السودان للعالم، تعرضت خلال العقود الماضية لتسييس وتهميش وغياب الإستراتيجية ما جعل أداءها في كثير من المحطات غير متناسب مع حجم التحديات ولا مع تطلعات الدولة الحديثة.
*أزمة مزمنة في البنية والرسالة*
تواجه وزارة الخارجية السودانية مشكلات هيكلية وتنظيمية تراكمت على مدى سنوات منها:
• غياب الرؤية الإستراتيجية الواضحة التي تربط السياسة الخارجية بالأولويات الوطنية.
• تفكك الجهاز الدبلوماسي نتيجة للإنقسامات السياسية وتغليب التعيينات السياسية على المهنية.
• ضعف التنسيق بين الخارجية وبقية مؤسسات الدولة مما يعقّد صناعة القرار الخارجي.
• تراجع التمثيل الدولي النشط بسبب إغلاق بعثات وتجميد مشاركات وفقدان الكوادر المؤهلة.
وهذه التحديات أصبحت أكثر وضوحا مع تعاظم الملفات الخارجية للسودان بعد الحرب بدءا من إعادة الإعمار ومرورا بإدارة العلاقات الإقليمية وإنتهاء بملف العقوبات والدين الخارجي.
*الخارجية في زمن ما بعد الحرب: المهام تتضاعف*
مع بداية التعافي من النزاع تتطلب المرحلة القادمة من وزارة الخارجية السودانية أن تؤدي أدوارا جديدة تشمل:
• إعادة دمج السودان في المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة والنزاع.
• بناء شراكات استراتيجية تحقق مصالح اقتصادية وتنموية حقيقية.
• قيادة خطاب متوازن يعبر عن السودان الجديد بلغة هادئة وواعية.
• تنشيط التمثيل في المنظمات الإقليمية والدولية واستعادة المواقع التي فقدت.
هذه الأدوار تتطلب مؤسسة مهنية ومرنة وقادرة على التفاعل مع المتغيرات الإقليمية وتتحدث بلغة المصالح الوطنية لا الأيديولوجيات العابرة.
*الإصلاح يبدأ من الداخل*
لكي تنهض وزارة الخارجية السودانية بدورها التاريخي لا بد من إطلاق عملية إصلاح مؤسسي شاملة ترتكز على:
• إعادة هيكلة الجهاز الدبلوماسي على أسس الكفاءة والخبرة بعيدا عن المحاصصة السياسية.
• بناء كوادر شابة مؤهلة في مجالات السياسة الدولية والإقتصاد السياسي والدبلوماسية الرقمية.
• صياغة سياسة خارجية وطنية موحدة تشارك في إعدادها الدولة والمجتمع وتخضع للتقييم الدوري.
• إطلاق مركز دراسات دبلوماسية وأبحاث استراتيجية يدعم القرار الخارجي بالمعرفة والتحليل.
*استعادة المكانة يبدأ من المؤسسة*
لا يمكن للسودان أن يحقق نهضة دبلوماسية حقيقية دون أن يمتلك مؤسسة خارجية قوية ومحترفة ومؤثرة، فالعالم لا يستجيب للخطاب الضعيف ولا يصغي إلى المؤسسات المرتبكة لذلك فإن إصلاح وزارة الخارجية يجب أن يكون أحد أولويات مرحلة ما بعد الحرب على قدم المساواة مع الأمن والإقتصاد.
*خاتمة: وزارة الخارجية مرآة الدولة أمام العالم*
في الوقت الذي يخطو فيه السودان نحو إعادة بناء دولته فإن وزارة الخارجية يجب أن تكون أول من يعكس هذا التحول للعالم. فمن خلالها تفتح الأبواب وتبنى الشراكات وتدافع الدولة عن مصالحها وتحدّد صورتها في الوعي الدولي.
ومتى ما عادت الوزارة إلى دورها المهني والسيادي سيكون للسودان صوت مسموع وموقع محترم في محيطه الإقليمي والدولي.
*م. أحمد الدفينة*
*رئيس قوى الوفاق الوطني (وطن)*
*21 يوليو 2025م*