*حسن فضل المولى يكتب: حسين شندي .. دُفْعَتِي يا شكرالله*

و أنت في حَزَنٍ و رهَقٍ و كَبَد ،
يسوق الله من يلوِّحُ لك بالأماني ،
و يأخذك إلى مُغْتَسَلٍ باردٍ
و مُتكأ ظليل ..
في ( مُلتقى الفنون ) ، و الذي
يضم نُخبةً من الأصفياء ،
و بينهم ( حسين شندي ) ،
تداعى نفرٌ إلى الحديث معه حول ( محطات ) في مسيرته الغنائية ، فدعاني أخي ( شكرالله خلف الله )
إلى أن أكتب عنه ..
و أجدني أعجز ما أكون عندما
يُطلب مني أن أكتب ،
و لكن ( شكرالله ) إذ يُحسن الظن
بي ، فقد خاطب في نفسي نيةً مُبَيَّتةً
تُلِحُّ عليَّ في تتبُّعِ خُطى ( حسين ) ،
لما بيننا من أوجه التلاقي ،
و الصلات الطيبات ..
و ها أنذا أحاول ..
أُحاول لعلي أستطيع أن أُخْرِج
لكم من ( بحره ) ما يتيسر لي
من أصدافٍ و لآلئ ..
و بدءاً ..
و بدءاً تُكتب هكذا و ليس بدءً ..

و بدءاً ..
أنا هنا لست بصدد الحديث
عن ( مطرب ) ، و السلام ،
و لكني عندما أتناول طرفاً من
سيرته و عطائه فلأنَّ
( حسين علي محمد طه ) ،
سوداني صميم ..
في هيأته ،
و في كلامه ،
و في نهجِه ،
و في نوادره ،
وفي غنائه ،
إذ ظل يعبِّر عن سودانيته ( بغناءٍ )
يُجسِّد أشواق أهله و ألوان
حياتهم ..
و يتخير من الكلام أعذبه ،
و أوقعه في نفوسهم ،
و أقربه إلى طبعهم ،،
( عمَّت بشايرنا
و دام الفرح بينا
الدنيا ابتهجت و تجلى بدرينا
وين يابلابل الدوح الليلة
سامرينا
نَذْكُر أحبتنا و أوقات مسرتنا
و نطرب بلحن الحب و لذيذ
أغانينا
و نذكر محاسن أم در نهضت
أمانينا
و نحيي وادي النيل بعظيم
تهانينا ) ..
و يُحيلك إلى نشوةٍ طاغيةٍ
عندما يبلغ بكلام ( الجاغريو )
المُنتهى ،،
( و بلابل الأفراح
سجعت تنادينااااا
و سجعت
سجعت تناديناااااا
و بلابل الأفراااااح ) ..

وحسين من تلك الأنحاء العتيقة ،
من ( الدويمات ) ،
و ( الدويمات ) من نواحي ( شندي ) ،
و ( شندي ) و أنحاؤها بلادٌ رحيبة ،
ذات بهجةٍ و سؤددٍ و بطولات ..
و أهلها أرابيب ( الكلمة ) ،
إنهم يخلعون عليك من أصدق ( الكلام ) حُللاً و قلائد ،
و يلبسونك من أحسن ( الكلام )
أساور من محبة و إعزاز ،،
و ( يا حليل ربوع شندي
( بلد الجمال عندي
الفيها نَمَا فني
و من المتمة أمان ) ..
هذا ( عثمانُها بن الشفيع ) يُعلي
من شأن جمالها ..
و لا غرابة ،،
فشندي كانت مهداً و ظلت جاذبةً
و مُلهمةً لأصواتٍ ماسيِّة ،
من لدُن الفنان ( علي الأمين ) ..
و منها ارتقى ( علي إبراهيم اللحو ) ،،
( ما دام نسى العُشرة
و اختار سوانا حبيب
خلينا للأيام لو لي ضميرو
حسيب ) ..
و فيها وُلد ( الطيب عبدالله ) ،،
( يا أرض الحبيب
كم لي فيك غرام ) ..
و إليها وفَد ( محمد وردي )
مُنتسباً إلى ( معهد التربية لتأهيل
المعلمين ) ، و غنى لها ،،
( في شندي العظيمة تلقى
بنات جعل
و احدات في المتمة
زي لون العسل
النايرات خدودن زي فجراً أطل ) ..
و فيها قال ( عبدالله البشير ) ،
من ألحان و أداء ( كمال ترباس ) ،،
( طِريت شندي وربوع شندي
طريت ناساً عُزاز عندي
تلاقِيك بي أريحيه
وتقابلك بي قلب وُدِّي
تشيلك جوه في الأعماق
ونور عينيها ليك تَدي ) ..
و فيها ..
في هذه ( المراتع ) المُفعمة
بأشكال الغناء و ألوانه و طرائقه ،
تكوَّن ( حسين شندي ) ،
و اتخذ لنفسه منحىً لم تُشغله
عنه ( الدراسة ) ، و لا ( التدريس ) ،
و لا وعْثاء الحياة ..
و أصبح نفحة من نفحات ( شندي )
و أريجها ..
و دانت له أفئدة أهليها ،
و دنا منهم قَابَ أنفاسهم أو أدنى ،
و هو دُنوٌ جعله مصدر تباهي
و مناط تَعَلُقٍ ،
فلا يرون له نديداً ..
يُحكى أن فناناً شهيراً جهيراً ، جاء
إلى ( شندي ) و عندما صعد
( المسرح ) ، أطال العزف على العود فصاح فيه أحد الحضور :
( ياخ ما تسِيب الحركات دي و تغني ، إنت قايل نفسك “حسين شندي” ) ..
و أمثال هؤلاء لا تقوم لهم قائمة
إلا مع ( حسين ) ،،
و ( اللول اللول يا رباعة
ناري بتزيد كل ساعة ) ..
و ( ياقلبي السراري
الفيك كاتم أسراري
حبيبتك أبعدوها
و سكنوها البراري
متين العودة تاني
سمح الريد نساني
يا سمن الصفايِح
يا الفي الحلة فايح
مالِك يا الحِنينةما بتزوري الضرايح ) ..

لقد كان أول عهدي به و نحن
( زُمَّال ) في ( مدرسة الكتياب
الثانوية العامة بالحرة ) ، و التي
جاء إليها لأن ناظرها
( عقيل عبدالسلام ) ، رحمه
الله ، كان زميل شقيقه في
التدريس ..
و كان يومها وديعاً مألوفاً ،
مُولَعاً بمطاردة ( القُمْرِي ) ..
و ( القُمري ) أو ( القماري ) نوع
من الحمام ، مُطوَّق و حسن
الصوت عندما ( يقوقي ) ،
أي يرسل صوتاً يوقظ الحنين
و يلامس الوجدان ..
( القُمري قوقا و طار ) ،،
و قوقن يا قماري قوقن ) ،،
و ( ابني عشك يا قماري
قشة قشة
و علمينا كيف على الحب
دارنا يُنشا ) ..
و مرة اكتشفنا عذوبة صوته ،
و أنه يجيد ( القوقَي) فأصبح
مسك ختام عامنا الدراسي ،
لننصرف إلى أهلينا و نفوسنا
ثَمِلة بما أسْمَعَنا من كلمات
( عتيق ) و ألحان ( عبدالرحمن الريح ) ،،
( في رونق الصبح البديع
قوم ياحمام أسمعني ألحان الربيع ) ،،
و ( الليل الليل ياجمال الليل ) ..

و تفرقت بنا السبل ..
و في الأثناء غدا ( حسين ) مطرباً
تُضرب إليه أكباد ( الإبل ) ..
و كنت بحكم عملي كثيراً ما ألقاه ،
و أسعى إليه مرة بعد مرة ،
و بعدها ..
جمعنا ( صلاح إدريس ) ..
و ( صلاح ) ..
كانت له ( حضرة ) جاذبة ..
أهل التجارة لا مكان لهم ،
و أهل الرياضة يجدون ما يلذ لهم ،
و سدنة و محبو فن الغناء لهم
القدح المُعلى ..
و في هذا الملتقى الأنيس ،
كان ( حسين ) يضوع ، و يُبهج ،
و ينثُر أعذب ألحان ( صلاح ) ،
لشعراء رائعين مُجِيدِين ..
( صلاح حاج سعيد ) ،،
( يا جميل ياراقي إحساسك
يريِّح قلبي إيناسك
عليك الحب تخليهو
مريدك و يبقا من ناسك )
و ( شمس الدين حسن خليفة ) ،،
( ضحكتك
ياسلام من ضحكتك
فرحة شايلاها القلوب الحبتك
ليلنا ما بطلع نهارو إلا نسمع
ضحكتك ) ..
و ( محمد محمد خير ) ،،
( قَطَّرتَ ليك الشوق لبن
قدمت ليك الليل هديه
لكني يا الطير الرحلت
كان زماني معاك شويه ) ..
و ( أحمد محمد إدريس الأرباب ) ،،
( الماكلَّ مل و ما قال انحمل
يا ولدي
خيرو فاض هَمَل ) ..
و ( محمد عبدالله برقاوي ) ،،
( رويحتك في الأماسي تحوم
تحلق فوق ربى الخرطوم ) ..

و ( حسين ) و هو يغني لك ..
يرافقك في كل مراحل حياتك ،
و يخاطبك موقظاً مشاعرك
في كل أحوالك ..
و هكذا ..
فأنت يافِعٌ يُغني لك بما يستهوي الهائمين اليافعين من كلمات
و ألحان ( سعدالله ضرار ) ،،
الليلة باكية مالك يا العيون
حبيتي زول حب خاتي قول
عشتي السنين حبك أمين
و آخر جزاك زولك نساك ) ..
و أنت راشدٌ يخاطبك من نظم
( عتيق ) بما يوقظ مشاعر
الراشدين ،،
( قضينا ليلة ساهرة
تضمنت محاسن
من كل روضة عينة
و من كل عينة زهرة ) ..
وأنت شيخٌ كهلٌ يسقيك من مَعين
( عبيد عبد الرحمن ) ،،
( حليل زمن الصبا الماضي
و حليل زهر الحياة الزاهر
حليل زمن الحبيب راضي
و حليل زمن الهوى الطاهر ) ..
و حين تعصف بك الأشواقُ وهْنَا
يُشجيك بلهفة المهندس
( علي محجوب ) ،،
( قطار الشوق متين ترحل تودينا
نشوف بلداً حُنان أهلها
ترسى هناك ترسينا ) ..
و يضاعف من مواجعك إذا افتقدت
حميماً ، و هو يشدو بمرثية
( أزهري محمد علي ) ،،
( البضوي الليل ) ،،
( في مشيهُ تقيل خاتي من خِفَّه
يا حليلو القام للبلد قَفَّا
الجرف عطشان و الزرع جفَّه
و البيوت حزنت و شالت الحَفَّه
غابت القمرا و الفريق خفَّ
يا حليلو القام للبلد قفَّا ) ..
و يغني للمكارم و المفاخر
من كلام ( زينب بت موسى )
فيُلهبك و يجعلك ( تنَقِّز ) و تهتز
و تُمَزّق ثيابَك ،
و توقن كل اليقين أن هذا
( السودان ) برجاله الذين لن تنال
منهم ( شياطين ) الإنس و الجن ..
( أنا ليهم بقول كلام
دخلوها و صقيرا حام ) ..
و ( بجر القول و الشكر
للباذل بابكر ) ..
و ( منايا ليك ما وقف
اتمنيت أنا تكبر تشيل بي ردف
مو لقاط طرف ) ..

و من ( دار فلاح )
فاح
و انداح
و تخيَّر من الغناء ما لا يحتاج إلى
شُرَّاح ..
فمن ( لحظك الجراح
أذايَّ فيه و فيه الطرب و الراح ) ،
مضى ،
يتنقل من هنا و إلى هناك ..
يأخذك صعوداً في مدارج السالكين ،
بمعية ( عوض جبريل ) ،،
( ود البجرد الألفية الليلة طاري
الجية
أب سيرة دوام محبوبة و الكلمتو
ما مقلوبة
ود أب سبحة لالوبة و نارو
للضيوف مشبوبة ) ..
و إلى مراقي و مرافىء ( عبدالعال السيد ) من ألحان ( كمال ترباس ) ،،
( كلما سألت عليك
يقولوا مشغولة
أيه الشاغلك عني
و ريني يازولة ) ..
و إلى ( عبدالله البشير جبريل ) ،
و هو يستسلم لقدره المكتوب ،،
( قلت أتوب من ريدك أتوب
لقيت الروح فيك بِدُوب
و المكتوب ما منو هروب ) ..
و إلى ضراعة و ابتهال ( أشرف الكاردينال ) من ألحان ( كوباني ) ،،
( سيب الزعل خلي الحُزن
اسمع معاي همس المُزن ) ..
و إلى لوعة و تَحسُّر ( فتحي
الجعلي ) ،،
مرت سنة و عادت سنة
و أنا يا زمن زي ما أنا ) ..
و إلى ( مختار دفع الله ) ،،
( غني يابنية
فوق الولد الشكرو ما شوية )
و حِيرة ( صلاح الشفيع ) ،،
( أعمل أيه أنا يا أميرة !! ) ..
و إلى معالي ،
( التيجاني حاج موسى ) ،
و ( عزمي أحمد خليل ) ،
و ( حسن الزبير ) ..
و كثيرون ..

( حسين ) ود بلد
يفعل ما يفعله أولاد البلد ..
يغشى المجالس مستأنِساً و مؤانِساً ..
و يأتي الأفراح مهنئاً و مشاركاً ..
و يُشاطر الأحزان ..
لعب لمريخ ( الدويمات ) ،
و هو يشجع الهلال ..
و يرى أن ( عزالدين الدحيش ) ،
من أفضل اللاعبين ..
و يتمنى أن لو ( كان جمال الوالي )
هلالابياً ..
و يطربه الذري ( إبراهيم عوض ) ،،
و يتمنى أن لو غنى ( عزيز دنياي ) ..
و بشوش ..
عندما يُقبل عليك ،
يُمازحُك و يبادرك بمُلْحةٍ ظريفة ..
التقينا قبل أيام في مناسبة سعيدة ،
ذَكَّرْتُهُ و ذكَّرَني ،
قال لي مُقهْقِهاً :
( يا حليلنا ياحسن مُلاح وَرَق
و انْفَرَك ) ..
و مرة داعبه الرئيس ( البشير ) ،،
( تعال ياحسين إنت شندي دي
حقتك براك !! ) ،
فرد عليه مازحاً :
ياريس إنت شِلتَ الفيلم كلو
مستكتر علي شندي ) ..
من هذا المزيج الذي ذوبُهُ
جمال الروح ،
و نداوة الصوت ،
و رقة الإحساس ،
و نبل المشاعر ،
تمشَّى ( حسين ) و سَرَى في حياتنا
كما ( النسمة ) ..
و يا ( نسمة ) ..
( يانسمة صحيتي الورود
جاب لي شذاك عطر البلد
رغم المسافات و الحدود
الشوق عصف و الريد غلب
ياااااانسمة ) ..
و هي من نظم ( شمس الدين
حسن خليفة ) ،
و ألحان ( صلاح إدريس ) ..
أعاد الله ( نسايم ) الصفاء على
( السودان ) و نقَّاهُ من شرور
الأشرار كما يُنَقَّى الثوب من
الدنَس ،
و أعزَّ جُندنا و نصرهم ..
والسلام ..
٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ ..

مقالات ذات صلة