التاريخ الذي لم ينشر عن المهديه
السير هارولد ماكمايكل (1922)، في كتابه تاريخ العرب في السودان، وصف وضع القبائل النيلية بعد 1899 قائلًا:
“ما وجدناه عند دخولنا السودان كا.ن أشبه بأرض أُفرِغَت من أهلها. لم تكن هناك مجتمعات، بل حفنة من الناجين. القرى النيلية لم تعد مأهولة، وسكانها الأصليون إما هُجّروا أو قتلوا أو أُجبروا على الهروب شمالًا.”
•أرشيفات الحكومة البريطانية (1905)، في تقرير تعداد السكان، ذكرت أن:
“في السنوات الأولى للحكم البريطاني، لم يكن هناك وجود منظم للقبائل النيلية في كثير من المناطق التي كانت مزدهرة قبل عهد المهدية. هُجِّرت التجمعات السكانية الرئيسية، والعديد من القرى لم يُعاد إعمارها قط.”
•التقارير الإدارية الاستعمارية (1910)، التي نشرتها حكومة السودان، أوضحت أن:
“الجعليون والشايقية والدناقلة لم يعودوا كما كانوا قبل المهدية. نسبة الذكور مقارنة بالإناث انخفضت بشكل كبير، وأُعيد توطين كثير من الناجين قسرًا في مناطق غير مناطقهم الأصلية.”
•فرانك لويد (1913)، في كتابه الحياة في السودان، يصف محاولات استعادة النظام بعد الدمار قائلًا:
“كان الناس مثل الأشباح في أراضيهم. الأماكن التي كانت مأهولة بأسر كثيرة لم يبقَ فيها سوى عجائز ونساء ينتظرن عودة رجالهن الذين لم يعودوا قط.”
⸻
لم تكن الإبادة مجرد حدث لحظي، بل أعادت تشكيل التركيبة السكانية للسودان إلى الأبد:
•هارولد ماكمايكل (1912) وثّق كيف:
“استبدل الخليفة منهجيًا سكان وادي النيل العرب بأتباعه من غرب السودان. أُعيد توزيع الأراضي، وترك الحُكام السابقون للنيل بلا أرض، كلاجئين ومشردين، بعض القبائل المنتمين للعرب النيلين ابيدت تماما ولم يعد لرجال هذه القبائل وجود فعلي.
•كتاب السودان الإنجليزي المصري (1905) يؤكد:
“قام الخليفة بإعادة توطين أم درمان والمناطق الاستراتيجية الأخرى بعناصر من قبيلته التعايشة، مما أدى إلى إزاحة السكان الأصليين.”
⸻
الخاتمة: هل هذا ليس تطهيرًا عرقيًا (Genocide):
•أكثر من 5 ملايين سوداني أبيدوا في 13 سنة فقط.
•تم استعباد آلاف النساء، وإخفاء آلاف الرجال في القبور الجماعية.
•تم تهجير عشرات الآلاف من السودان، ليصبحوا لاجئين في مصر وإثيوبيا وكثير منهم موجود هنالك الي يومنا هذا
•فقد السودان نصف سكانه، ولم تتعافَ القبائل النيلية من هذا الدمار حتى اليوم.
إذا لم يكن هذا تطهيرًا عرقيًا، فما هو التطهير العرقي إذًا؟
هل ترى تشابهًا بين هذه الأحداث وما حدث لأهلنا اليوم في الجزيرة، وشمال كردفان، والخرطوم، وغيرها من المدن؟
لولا العناية الإلهية، وبسالة القوات المسلحة، ودعم أهلنا للمؤسسة العسكرية بالمال والعتاد والشباب، لوصل الحال إلى ما كان عليه في عام 1900—مجازر، تهجير، واستعباد، دون أن يبقى أحد ليروي القصة.
هل سنكرر الخطأ مرة ثالثة؟ هل سنسمح للتاريخ بأن يعيد نفسه؟ أم أننا سنتعلم من ماضينا، ونقف صفًا واحدًا حتى لا تكتب الأجيال القادمة عن محرقة ومحاوله تهجير أخرى؟
هذه ليست مجرد حقائق، إنها صرخة من الماضي لأحفاد النيلين اليوم
⸻
المصادر
•السير ريجنالد وينجيت (1899)، تقارير المخابرات السودانية
•موسوعة بريتانيكا (1911)، “السودان”
•جوزيف أوروالدر (1892)، عشر سنوات في معسكر المهدي
•فرانسيس دينق (1995)، حرب الرؤى
•ريم عباس (2023)، المهدية لا تزال تطارد السودان
•هارولد ماكمايكل (1922)، تاريخ العرب في السودان
•أرشيفات الحكومة البريطانية (1905)، تعداد سكان السودان
•التقارير الإدارية الاستعمارية (1910)، حكومة السودان
•فرانك لويد (1913)، الحياة في السودان
•مجلة الأنثروبولوجيا الاستعمارية البريطانية (1925)، دراسة عن التركيبة السكانية في شمال السودان