في صفين كاد فريق علي بن أبي طالب أن يغلب جيش معاوية بن أبي سفيان. ولأن المنتصر في هذه المعركة خاسر نزل بن أبي طالب للصلح مسمياً أبو موسى الأشعري حكماً. إما معاوية فاختار عمر بن العاص رضي الله عنهم أجمعين. مقدرات القيادة الرشيدة عند علي بن أبي طالب تطلبت أن يتجاوز الانتصار على الباغي حقناً للدم الغالي.
التحكيم اصطلاحاً هو حل النزاعات عبر قضاء خاص يختاره الخصوم. وكما يكون التحكيم برضاء الأطراف، يجوز في أحوال معينة، أن يسري بحكم القانون. ولأن التحكيم قضاء خاص، معظم قوانين التحكيم لا تتدخل في حق الخصوم في اختيار المحكمين. الشرط الوحيد الذي تتبناه معظم التشريعات أن تتألف هيئات التحكيم من عدد فردي بحيث عند الاختلاف يكون للاغلبية صوت مرجح. مع ذلك ليس هناك ما يحرم الخصوم من أن يشترطوا صدور قرارت المحكمين بالإجماع وليس الأغلبية. نزول البرهان وحميدتي للتحكيم على الوجه المذكور كان وما زال خيار متاحاً حقناً لما تبقى من دماء السودانيين وإنهاء الحرب.
مهما كان من أمر، فالأنموذج الأنسب لوقف حرب السودان هو التحكيم الإجباري الذي يستمد قوته من الشرعية الثورية بمشارطة تحكيم يضع ملامحها المحكمون. ففي هذا النوع ومتى قبل المتحاربين أن ينزلوا للتحكيم فالشعب هو الذي يسمي ويفرض الثقات من أهل الحل والعقد ليضعوا الآليات والتدابير التي توقف الحرب خطوة بخطوة. لاختيار أهل الحل والعقد كنت قد أشرت من قبل إلى أن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) حسمت قيادتها في د. عبد الله حمدوك. الأغلبية من القوى السياسية والمدنية، وكسباً للوقت، عليها أن تسمى حوالى ستة ممن تثق بهم فيلزموا الطرفين لقبول التحكيم ووقف القتال. لابد من القناعة بألا سطوة على الطرفين أكبر من تحالف الجماهير والقوى الوطنية. فقادة هذه الحرب بات من الواضح أنهما يسعيان لجمع أكبر حواضن اجتماعية حولهما لمرحلة ما بعد الحرب. تجريدهم من حلم البقاء في السلطة سيكشف ظهرهما فيدركا أن المنتصر منهما سيلعب المباراة النهائية مع الشعب الذي لا ثقة له بأحدهما.
سواءً عبر أهل الحل والعقد أو هيئات التحكيم أو أي حل ألمعي آخر فإن صراع السلطة في السودان لن يزول بالأماني السندسية وإنما بإرادة الأمة الحقيقية. على القوى السياسية والمجتمعية أن تغادر خانة الانقسامات والصراعات وتنخرط في وضع الحلول الموضوعية. كثيرون يقفون عند حد الشعارات ناسين أن ترتبيات وقف الحرب تحتاج لقرابة العام لتبدأ رحلة الاستقرار. حلم العودة الآمنة سيتحقق عندما يشارك كل مواطن ومواطنة بالإرادة والعمل الدؤوبين بلا كلل ولا ملل. ونواصل.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
12 يناير 2024