*من يدفع ثمن دمار السودان ؟ مصطفي الشيخ علي. تربوي الجزيرة ودمدني مايو طرف .حاليا لاجئ*

في قلب الخرطوم الممزقة بنيران الحرب، وفي أزقة دارفور التي لم تكف عن النزيف وفوق رمال كردفان الحمراء التي ابتلعت أحلام أجيال، يقف الشعب السوداني رهينة صراع لا يرحم، صراع يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني وحلفاؤه من الإسلاميين الذين يتشبثون بأطلال نظام سقط.

اليوم، بينما نعد ضحايانا بالآلاف، ونحصي نازحينا بالملايين، لا يسعنا إلا أن نسأل: من يتحمل مسؤولية هذا الخراب؟ ولماذا يصر البرهان وداعموه على الحرب والتدمير وجر الوطن إلى هاوية لا قرار لها؟

عندما أطاح الشعب السوداني بنظام عمر البشير في 2019، كان ذلك صرخة أمل في وجه عقود من القمع والتهميش، وكنا نحلم بدولة تحترم كرامة مواطنيها و لا تميز بين ابن الوسط وابن الهامش، لكن البرهان، الذي كان يفترض أن يكون حاميا لتلك الثورة، اختار أن ينقلب على إرادة الشعب في أكتوبر 2021، مدعوما بقوى إسلامية تسعى لاستعادة نفوذها المفقود ودول خارجية لا تريد خيرا بل تسعى لاستمرار الحرب والتدمير ودعم المتطرفين
هذا الانقلاب لم يكن مجرد خطأ سياسي بل كان خيانة لتضحيات شباب الثورة الذين سالت دماؤهم في شوارع الخرطوم وبورتسودان.

منذ ذلك الحين، تحول السودان إلى ساحة حرب مفتوحة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن دعونا لا ننخدع: هذه الحرب ليست مجرد صراع بين قائدين عسكريين طامحين للسلطة.

إنها نتيجة مباشرة لقرارات البرهان، الذي رفض الحوار السياسي وأصر على فرض سيطرته العسكرية، متجاهلاً صوت القوى المدنية التي طالبت بحلول سلمية، بدلاً من بناء جسور الثقة، اختار البرهان وحلفاؤه تعميق الانقسامات، وتحويل الجيش -الذي كان رمزًا للوحدة الوطنية- إلى طرف في نزاع أهلي مدمر.

ما يزيد الطين بلة هو دور حلفاء البرهان من الإسلاميين المتشددين، الذين وجدوا فيه درعًا لتحقيق أجندتهم،
تقارير موثقة، من بينها تلك الصادرة عن مراكز دراسات استراتيجية، كشفت عن تورط هذه القوى في دمج عناصر متطرفة، بما في ذلك مقاتلون سابقون في تنظيم “داعش”، ضمن صفوف الجيش.
قرارات مثل تجميد قانون مراجعة الجنسية السودانية فتحت الباب أمام تجنيس أشخاص مشبوهين، مما يهدد بتحويل السودان إلى ملاذ للإرهاب. هل هذا هو الوطن الذي كان البرهان يعدنا بحمايته؟

نتيجة هذه السياسات كارثة إنسانية لا مثيل لها. أكثر من 15 مليون سوداني كريم عزيز أصبح مازحا مشوارا، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بينما يعاني نصف الشعب من الجوع. مستشفياتنا أصبحت أطلالاً، ومدارسنا تحولت إلى ملاجئ مؤقتة.
أطفالنا، الذين كانوا يحلمون بمستقبل أفضل، يواجهون الآن شبح التجنيد القسري أو الاستغلال، 17 مليون طفل سوداني خارج المدراس، ومع ذلك هناك من يصر على استمرار الحرب من دون اكتراث او احساس بمصير هولاء

الاقتصاد منهار، والجنيه السوداني فقد قيمته، ومعظم القطاعات الإنتاجية متوقفة؛ هذا الدمار ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة خيارات البرهان وداعميه، الذين فضلوا المصالح الضيقة على مصلحة الوطن.

ما يثير الحسرة أكثر هو صمت المجتمع الدولي، أو بالأحرى، تردده في محاسبة المتسببين في هذه المأساة، وفرض وقف الحرب، ومعاقبة الدول التي تدعم خيار الحرب و تستمر في تقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي للجيش، ومنها ايران وقطر وتركيا، فماذا تريد تلك الدول من السودان وشعبه المظلوم ؟
تظل جهود الوساطة عاجزة عن إيقاف نزيف الدم. هذا التردد يعكس ازدواجية معايير التعامل مع أزماتنا، ويتركنا وحدنا نواجه مصيرنا.

كسوداني، أشعر بالألم وأنا أرى وطني يتمزق، لكنني أشعر أيضًا بالغضب؛ البرهان وحلفاؤه يتحملون مسؤولية مباشرة عن هذا الخراب، لقد كان بإمكانهم اختيار الحوار، وإشراك القوى المدنية، وبناء دولة تحترم إرادة شعبها؛ لكنهم اختاروا الحرب، ومعها اختاروا معاناة الملايين. اليوم، نحن بحاجة إلى محاسبة حقيقية، وتحقيقات دولية في الانتهاكات التي ارتكبت. نحن بحاجة إلى قيادة تؤمن بمستقبل السودان، لا قيادة تسحقه بحروب لا تنتهي.
الشعب السوداني، الذي قاوم الظلم وصنع ثورة مجيدة، يستحق أن يعيش بكرامة. فهل يسمع البرهان هذه الصرخة، أم سيستمر في قيادة البلاد نحو الهاوية؟

مصطفي الشيخ علي. تربوي
الجزيرة ودمدني مايو طرف .حاليا لاجئ

مقالات ذات صلة