*بقاء الدولة” كذريعة… و”صمود” كخيار لإنقاذ ما تبقى ــــــــــــ أحمد ود اشتياق*

منذ اندلاع الحرب في السودان، سعت القوى التي تمسك بزمام السلاح – وعلى رأسها التيارات الإسلامية وبعض مؤيدي الحرب – إلى ترسيخ سردية خطيرة، مفادها أن كلفة استمرار الحرب أقل من كلفة إيقافها.
وقد تجلّى هذا الخطاب بشكل أوضح مؤخرًا، عقب إعلان تحالف صمود لرؤيته السياسية لإيقاف الحرب، وما أعقب ذلك من حملات تشويه منظّمة تحاول ضرب التحالف إعلاميًا، واتهامه زورًا بالسعي لتفكيك الجيش والدولة.
هذه ليست مجرد حملة ضد تحالف صمود، بل امتداد لسردية قديمة متجددة: “بقاء الدولة مرهون باستمرار الحرب”. وهي السردية التي يحاول تيار الحرب، بقيادة حزب المؤتمر الوطني وحلفائه، ترسيخها عبر ربط فكرة الدولة بالجيش، والجيش بالحرب، بحيث يُصوَّر كل صوت يدعو لوقف الحرب كأنه يهدد الدولة ذاتها.
وفي مقابل هذه السردية، تُوضع سردية “الدولة المدنية والتحول الديمقراطي” كخيار ناعم، خيالي، أو حتى خائن. رغم أن هذا المسار، في الحقيقة، هو الخيار الوحيد الذي يضمن بقاء السودان كدولة قابلة للحياة.
يروج خطاب الحرب لفكرة أن أي دعوة لوقف القتال هي استسلام، وأن التفاوض خيانة، والسلام تسليم كامل لانهيار الدولة. ومن خلال هذه اللغة المضللة، يصبح من السهل تحشيد الرأي العام، وتخوين القوى المدنية، وشيطنة كل من يرفض الحرب.
لكن الحقيقة أن القوى المدنية، وعلى رأسها تحالف صمود، لم تنكسر يومًا في موقفها. وظلت، منذ اللحظة الأولى، تحذر من تمدد الحرب، وتدعو بوضوح إلى إيقافها، رغم كل ما واجهته من عقبات، ومذكرات اعتقال، وحملات تخوين، وتجفيف للحياة السياسية، واعتقالات وتصفية للكادر السياسي.
أما المطالبة بتأسيس جيش قومي مهني لا يتدخل في السياسة ولا ينقلب على السلطة، فليست مؤامرة على الجيش، بل مطلب وطني متجذر في تجربتنا السياسية. وهو، في جوهره، مطلب طبيعي يُشبه ما هو معمول به في كل الجيوش المحترمة حول العالم. ، و الشاذ، هو استمرار وجود المؤسسة العسكرية كفاعل سياسي مركزي في الحياة العامة.
لكن ماكينة إعلام الحرب تسعى لتشويه هذه المطالب، لأنها تضرب في صميم مشروع الدولة العميقة، التي ترى في الجيش بوابة للسلطة، وفي السلاح مدخلًا للقصر.
القائمون على هذا المشروع هم أنفسهم من حكموا البلاد بالحديد والنار لعقود، ويتوهمون أن العودة ممكنة عبر فوهة البندقية.
في المقابل، تظهر خطورة الحرب يومًا بعد يوم، فقد تجاوزت الخرطوم ووصلت إلى كل الأقاليم. فقد كانت الضربات السابقة التي استهدفت مدينة بورتسودان بطائرات مسيّرة – والتي أصبحت مركزًا إداريًا وسياسيًا مؤقتًا بعد انهيار العاصمة – هذه الضربات مثلت تحوّلًا خطيرًا في شكل الصراع.
بحيث لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل إعلانًا عن دخول السودان في مرحلة “حرب المسيّرات”، وهي حرب لا تعرف حدودًا، تستهدف العمق المدني والبنية التحتية، وتنقل الحرب من الجبهات إلى قلب حياة الناس.
كما ، اتجهت النيران أيضا نحو الولاية الشمالية، وبدأت تحركات قوات الدعم السريع في مناطق ” المثلث ” وهي إشارات صريحة أن رقعة الحرب لم تعد تحت السيطرة، وأن الجغرافيا السودانية كلها باتت مسرحًا مفتوحًا للدمار.

في الداخل، بدأت التصدعات تظهر في جبهة السلطة العسكرية، منذ تصريحات قائد كتيبة البراء بن مالك، إلى الخلافات بين جبريل إبراهيم وأبو عاقلة كيكل، وغيرها من التوترات التي تعكس هشاشة البنية العسكرية والسياسية، وصراع المصالح داخل مكونات المعسكر الواحد.

الأن نحن لا نعيش حربًا فقط، بل إعادة إنتاج لانهياراتنا الكبرى مليشيات تتناحر داخل دولة مفككة، وجيش منهك بالحروب على مر تجربة الدولة السودانية، وشعب يدفع الثمن كل يوم.
وفي خضم هذا المشهد، يتأكد يومًا بعد يوم أن الدعوة إلى إيقاف الحرب لم تكن ترفًا، بل إدراكًا مبكرًا لمسار كارثي.
الآن، وقد وصلنا إلى مرحلة القصف بالمسيّرات والتمدد في كل الاتجاهات، بات واضحًا للجميع أن الاستمرار في الحرب ما هو إلا وصفة مؤكدة للانهيار الكامل.
القوى المدنية، رغم ضعف الأدوات، تمسكت بموقفها: لا للحرب.
منذ أن كانت المعركة في شارع واحد ، إلى أن أصبحت معركة في الوطن بأكمله.
وإيقاف الحرب لم يعد خيارًا، بل الشرط الأول لإنقاذ ما تبقى من السودان.
وخطاب “بقاء الدولة” تتكشف عورته يومًا بعد يوم، من خلال الجوع، والمرض، ونزوح الملايين، وتشرد السودانيين في ملاجئ دول الجوار، وانهيار العملة، وتفكك البنية التحتية، وتوالد المليشيات كالسرطان في جسد الوطن.
ما يؤكد أن إيقاف الحرب ليس ضعفًا.
ولا خضوعًا.
بل هو إعادة امتلاك للمصير، وبداية إعادة بناء وطن يوشك أن يتلاشى.
وكل يوم تأخير في اتخاذ هذه الخطوة هو اقتراب فعلي من حافة هاوية التقسيم، النزاع القبلي، والتفكك.
ولهذا، تظل الجهة الوحيدة التي ما زالت تحمل مشروعًا للحياة، وتقف على الضفة الصحيحة من التاريخ، هي:
تحالف صمود ورؤيته السياسية.
فلنعضّ عليها بالنواجذ.
لأن التراجع عن مطالب الحياة، هو قبول جماعي بمشروع الفناء.

تابعونا
فيس بوك
https://www.facebook.com/share/1CTDLp1Zv6/

قناة البث المباشر على اليوتيوب

https://youtube.com/channel/UCWHlSInI6l2f1dYIvmW-5-w?si=FeTVYdgEe5ZDpoX0

تيك توك

@wd_aishtiaq

مقالات ذات صلة