*دولة القانون* *تصفية الخصومات*

كما تنتقل الأمراض العضوية بالعدوى تتفشى الأمراض الاجتماعية. خطورة الأخيرة في جرثومتها التي تنخر ببطء في عمق البناء المجتمعي فينهار. في الواقع يأخذ علاج هذا النوع من الأمراض وقتاً أطول من الأمراض العضوية. سواء من حيث علم النفس السياسي أو علم الاجتماع السياسي، مهما بلغ حجم النزاعات الشخصية التي تعود لخلافات عائلية أو اجتماعية، فلتلك الخصومات حدود يجب أن تقف عندها. عدم مراعاة الآثار أو حساب التوقيت بالمضي أو التراجع بلا بصيرة يخرج بالصراعات من الموضوعية لمصاف الفجور أو العداوة بوجه يفتك بكل الحواجز الواجب مراعاتها فتختل الموازين وتزول جميع الروابط من إطارها الاجتماعي لتضرب العمق الاقتصادي وحتى السياسي. بعبارة أخرى، قد يبدأ الصراع داخل البيت الواحد لكن سرعان ما يطال الشرر الجيران والشارع والدولة والإقليم والعالم.
حرب السودان التي عمت كل ربوع الوطن يرى معظم المحللين أنها تأخرت كثيراً، فهذه الحرب تقلقلت جرثومتها بكافة المؤسسات الرسمية والبيوتات الشعبية. فهذا الحجم من الانهيار لم يكن ليتوقف عند حدوده الاجتماعية وإنما كشف عن كل نماذج الفساد والتهافت على الثروة والسلطة بلا كوابح أو خجل في العمالة والاستعانة بالغريب على القريب. خلال السبعين عاماً التي تلت استقلال السودان تأرجحت اتجاهات الفكرية مجربين النظريات الشرقية والغربية والقومية والدينية والعسكرية.
السؤال الذي يطرح نفسه، وبعد أن بلغ حال الوطن الحرب الشاملة، هل سيستطيع المؤيدون لأي تيار من تلك التيارات أن يخضعوا أو حتى يطلبوا من المخالفين أن ينزلوا على رأيهم؟ في أوضاع الحروب تكون الكلمة للوطن الذي يجمع الكل وإلا فلن تتوقف الحرب بل ستتمدد. الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قدم المدينة كانت الحروب بين أبناء العمومة من أوس وخزرج في ذروتها. أول ما قام به ألف بينهم، ولو لم يفعل لما دانت له المدينة، وأصبحت أول نموذج للدولة المدنية. ببساطة، الحل في التوافق الوطني، وأي محاولة لتصفية الحسابات أو الحصول على تصنيفات أو مكاسب شخصية لهو من باب الفجور في الخصومة.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
8 أغسطس 2025

مقالات ذات صلة