لم يسقط المؤتمر السوداني فجأة، ولم يضلّ الطريق بالصدفة، بل اختار السقوط خطوةً خطوة، حتى وجد نفسه غارقًا حتى العنق في بئر الخيانة يمدّ الحبال لمليشيا القتل، ويمنحها الغطاء السياسي، ويشارك بالتحريض والصمت والتبرير—في واحدة من أبشع المذابح التي عرفها السودان
أها… ضيعتوا السودان
ضيعتوه حين قررتم أن تكون السياسة بديلاً للأخلاق، والبيانات الرمادية بديلاً للحق، و”التوازن” بديلاً عن تسمية القاتل. ضيعتوه حين دخلتم مشروع «تأسيس» وأنتم تعلمون—تمام العلم—أنه ليس مشروع دولة، بل واجهة مدنية لشرعنة حرب المليشيا وبوابة لتدوير الدم في لغة ناعمة.
لم تكونوا سُذّجًا.
ولم تُخدعوا.
أنتم عرفتم
عرفتم أن حميدتي ليس “فاعلًا سياسيًا”، بل مشروع إبادة.
عرفتم أن الجنجويد لم يتحولوا فجأة إلى حماة انتقال.
عرفتم أن دارفور كانت المختبر، وأن الخرطوم ستكون الضحية التالية.
ومع ذلك… مضيتم
مضيتم لأن الحسابات كانت أوضح من الدم.
مضيتم لأن الرهان كان على المليشيا لا على الشعب.
مضيتم لأنكم صدّقتم أن السلطة تُنال من فوهة بندقية، طالما ارتدت قناع “المدنية”.
حين كانت القرى تُحرق، كنتم تُعدّون الصياغات.
وحين كانت النساء تُغتصب، كنتم تُوازنون الكلمات.
وحين كان الأطفال يُقتلون، كنتم تُساوون بين الجلاد والضحية.
ذلك ليس حيادًا… ذلك تحريض.
نعم، حرّضتم حميدتي على القتال، لا بخطاب مباشر، بل بما هو أخطر:
بالتطبيع معه
بمنحه الشرعية
بفتح المنصات
وبإشاعة كذبة “التوازن بين طرفين”، وكأن المليشيا ليست عصابة نهب وقتل واغتصاب.
أي حزبٍ هذا الذي يرى دارفور تُذبح ثم يتحدث عن “عملية سياسية؟
أي تنظيمٍ هذا الذي يرى الخرطوم تُنتهك ثم يختبئ خلف تعقيدات المشهد؟
أي أخلاقٍ هذه التي تجعل الصمت على الجريمة موقفًا سياسيًا؟
دعونا نسمّي الأشياء بأسمائها:
الصمت مشاركة.
المساواة بين الجيش والمليشيا جريمة سياسية
الدخول في «تأسيس» بعد كل هذا الدم خيانة مكتملة الأركان.
لقد اخترتم أن تكونوا شهود زور على مذابح السودان.
بل أكثر من ذلك: اخترتم أن تكونوا مقاولين سياسيين للدم تبيعون الوهم، وتشترون الوقت، وتراهنون على أن الذاكرة قصيرة.
لكن الذاكرة ليست قصيرة.
والدم لا يجف.
والتاريخ لا يرحم.
ستُسألون:
أين كنتم حين كانت الفاشر تُحاصر؟
أين كنتم حين كان زمزم تذبح؟
أين كنتم حين كانت الخرطوم تُنهب بيتًا بيتًا؟
وسيعرف الناس أنكم كنتم هناك
في المنطقة الرمادية
في منتصف الطريق بين الضحية والجلاد
تمسكون العصا من المنتصف… بينما الطرف الأقوى يذبح.
لا تحدثونا عن الثورة
فالثورة لا تُدار مع القتلة.
ولا تحدثونا عن الدولة
فالدولة لا تُبنى فوق جثث الأبرياء.
ولا تحدثونا عن الأخلاق السياسية
فمن تلطخت يداه بالصمت لا يملك موعظة.
هذه ليست خصومة حزبية
وليست خلافًا فكريًا
هذه محاكمة أخلاقية وسياسية لحزبٍ قرربإرادته أن يغادر صف الشعب، ويقف في ظل المليشيا.
وسيسجّل التاريخ بالحبر والدم أن:
المؤتمر السوداني لم يفشل فقط… بل خان
خان الثورة
خان الضحايا
خان السودان.
وكل من خان لا يملك رفاهية الإنكار
ولا شرف الادعاء
ولا حق العودة بلا حساب.




