‘السودان.. حين تصبح الحرب ساحة للأخبار أكثر من الرصاص د .التوم حاج الصافي*

في زمن الحروب، لا يُطلق السلاح وحده الرصاص، بل تطلقه أيضاً الكلمات. ما حدث مؤخراً حول ما قيل عن “إسقاط طائرة أجنبية في نيالا” ليس مجرد خبر عابر، بل مثال صارخ على كيف تتحول المعلومة إلى سلاح لا يقل فتكاً عن المدفع.

القصة بدأت بتسريبات غامضة انتشرت عبر وسائل التواصل وبعض القنوات، ثم تحولت خلال ساعات إلى مادة للنقاش السياسي، مع غياب كامل لأي توثيق مصور أو بيانات رسمية من جهات المراقبة الجوية.
المفارقة أن ما يُفترض أنه حدث جلل لم تلتقطه أي عدسات، ولم يثر ضجة دولية، وكأن الطائرة – إن وُجدت – عبرت من السماء إلى الخيال دون أن يراها أحد.

قوات الدعم السريع نفت الرواية جملة وتفصيلاً، واعتبرتها “حيلة لتغطية الأزمات الداخلية في مناطق سيطرة بورتسودان”، بينما لم يصدر من الجانب الآخر ما يرقى إلى مستوى البيان التفصيلي المدعوم بالأدلة.
وفي كواليس المدينة الساحلية، يهمس بعض المسؤولين – ممن فضلوا حجب أسمائهم – بأنهم أنفسهم لم يتلقوا أي معلومات موثوقة عن الواقعة، وهو ما يضعف بنيان القصة منذ أساسها.

الحقيقة أن هذه ليست أول مرة يُستبدل فيها التحقيق الميداني بالتخمين السياسي في بيئة النزاع السوداني، باتت الأخبار تُصاغ أحياناً على مقاس اللحظة، لتشعل الانتباه أو تصرفه، بينما الحقيقة تتوارى خلف ضباب المصالح.

التاريخ يعلّمنا أن الحروب التي تُدار بالقصص لا تقل خطراً عن تلك التي تُدار بالرصاص
فالخبر الكاذب، إذا تكرر، قد يصبح في ذاكرة الجمهور أكثر رسوخاً من الواقع نفسه.
وربما لهذا السبب، فإن أولى معارك أي شعب من أجل الخروج من الحرب، هي استعادة الحق في معرفة الحقيقة كما هي، لا كما تُرسم مواقع وصفحات الخصوم .

مقالات ذات صلة