أمام رواية وسائل الإعلام الموالية الجيش السوداني عن استهدافه طائرة إماراتية تحمل مقاتلين أجانب في نيالا، نفت قوات الدعم السريع صحة هذه التصريحات، لكن بين هذا وذاك ذهبت منصات معنية بالتحقق من الصور والفيديوهات إلى الوقوف على حقيقة مقطع متداولة لإسقاط الطائرة.
بدأت سلسلة الأحداث بإعلان التلفزيون السوداني عن تدمير الجيش طائرة إماراتية تحمل مقاتلين من الجنسية الكولومبية في مطار نيالا بدارفور، ما أسفر عن مقتل 40 شخصًا على الأقل، مشيرًا إلى أن الطائرة انطلقت من قاعدة جوية خليجية وكانت تحمل شحنات من العتاد والسلاح لصالح قوات الدعم السريع.
لكن هذه الرواية نفت قوات الدعم السريع صحتها على الفور في بيان لها، مشيرة إلى أن «المزاعم التي تروج لها وسائل إعلام موالية للجيش تحاول التعتيم على خسائر قواته في إقليم كردفان، وأنه لا يتوقف عن الترويج لمقتل مقاتلين أجانب كولومبيين خلال قصف مزعوم على نيالا».
وقالت قوات الدعم السريع إن هذه المزاعم جزء من حرب إعلامية درج عليها فلول النظام السابق للتغطية على هزائمهم العسكرية المتتالية، لا سيما في جبهات كردفان، ولصرف الأنظار عن حالة الانهيار التي يعيشونها عقب الخسائر الكبيرة في العتاد والأرواح، التي لحقت بهم.
وأضافت أن مدينة نيالا– بمطارها ومرافقها الحيوية ومناطقها الاستراتيجية – تتمتع بحماية كاملة وتأمين شامل من جميع الاتجاهات الجغرافية الأربعة، بقوات يقظة وعبر منظومات دفاع جوي متطورة جرى تعزيزها وتحديثها مؤخرًا، ما مكنها من صد وإفشال كل محاولات ميليشيات الحركة الإسلامية الإخوانية المتحالفة مع الجيش لاختراق أجوائها.
أما الحديث عن الاستعانة بمقاتلين أجانب، فأوضحت قوات الدعم السريع أنه محض كذب وادعاء بائس يفتقر إلى المنطق، إذ إنها تستمد قوتها من أبناء السودان الأحرار، وهم يمتلكون من العزيمة والإرادة والدوافع المتجذرة في عقود من التهميش والنابعة من التطلع لمستقبل تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية ما يكفي لخوض معركة التحرير حتى إسقاط آخر معاقل الفلول في الفاشر وكردفان وبقية أرجاء السودان.
ومضت في بيانها: «المفارقة المثيرة للسخرية هي أن مطلقي هذه الأكاذيب هم أنفسهم من يستعينون علنًا بميليشيات وقوات أجنبية جاءت من أكثر من دولة، ويثنون عليها ويشكرونها على قتالها إلى جانبهم، وهي اليوم تتمركز في بورتسودان ووادي سيدنا وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش».
أما وكالة الأنباء الإماراتية (وام) فنقلت تأكيد دولة الإمارات أن «هذه الادعاءات، التي تفتقر إلى أي دليل، لا تعدو كونها مناورات إعلامية هزيلة تهدف إلى تشتيت الانتباه عن مسؤولية هذه السلطة المباشرة في إطالة أمد هذه الحرب الأهلية التي امتدت إلى أكثر من عامين».
وفرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، في عام 2024 كجزء من خططها للسيطرة على المنطقة بأكملها في دارفور. إلا أن الجيش السوداني يتهمها بتحويل مطار المدينة المدني إلى مركز عسكري لاستقبال شحنات الأسلحة وتهريب الذهب.
وتعود أهمية نيالا إلى كونها عاصمة ولاية جنوب دارفور، وهي ثاني أكبر مدينة في السودان بعد العاصمة الخرطوم. وتبعد مدينة نيال عن العاصمة الخرطوم بحوالي 1000 كيلومتر. وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة، باعتبار أنها مركزا تجاريا واقتصاديا مهما، حيث تعد مركزا لتجارة المواشي والمنتجات الزراعية. فضلا عن أنها مركزا ثقافيا وحضاريا، لأنها تضم العديد من المتاحف والمراكز الثقافية.
وفي يونيو الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الجيش السوداني استخدم قنابل غير موجهة أُلقيت جوا لشن هجمات على أحياء سكنية وتجارية في نيالا بجنوب دارفور أوائل فبراير الماضي، معتبرًا أن هذه الهجمات العشوائية، التي تشكل جرائم حرب مفترضة، قتلت وأصابت أعدادًا كبيرة من المدنيين.
لكن أين الأدلة؟
وفي ظل تساؤل عدد من المراقبين السودانيين عن سر عدم تقديم الإعلام الموالي للجيش السوداني أدلة واضحة على إسقاط الطائرة، بدأت وسائل إعلام تحاول التحقق والتثبت والتدقيق في فيديو مزعوم لعملية إسقاط الطائرة.
وكثيرًا ما تلجأ وسائل الإعلام التي تتبنى وجهة نظر محددة إلى أدوات تكنولوجية في إثبات حجتها على غرار «جي بي أس، وستاليت تراكينج، وسكاندري رادار» أو على الأقل تقديم أدلة مادية مثل الرفات والجثث والحمض النووي أو إزاحة الستار عن نوع الطائرة وطرازها وصندوقها وهيكلها، لكن هذا لم يحدث حتى الآن.
وسائل إعلام أخرى على غرار «راديو دبنقا» نقلت شهادات لمواطنين من نيالا قالوا إنهم لم يسمعوا أي أصوات قصف في المطار خلال الأسبوع الماضي، على رغم من قرب أحيائهم من موقع المطار.
من جانبها سارعت وكالة السودان للأنباء «سونا» إلى التحقق من فيديو تداولته حسابات مناصرة للجيش السوداني على مواقع التواصل الاجتماعي قيل إنه يوثق استهداف طائرة إماراتية في مطار نيالا، لكن بعد التحقق اتضح أن الادعاء غير حقيقي وأن المقطع مأخوذ من لعبة حربية إلكترونية.
ليس هذا فحسب بل أشار تفنيد المقطع إلى أن نفس الفيديو سبق وجرى تداوله قبل ثلاثة أشهر واستخدمته حسابات باكستانية في سياق الحرب الإلكترونية ضد الهند، موضحًا أنه «لا توجد أدلة على استهداف أي طائرة إماراتية في نيالا. والقصة ملفقة من لجان التوجيه المعنوي في الجيش السوداني».
كانت وكالة أسوشيتد برس نقلت عن وزارة الخارجية الإماراتية نفيها الاتهامات الموجهة من قبل وسائل الإعلام الموالية للجيش السوداني ووصفتها بأنها «ادعاءات لا أساس لها وتفتقر إلى أي أساس إثباتي». واعتبرت أن «الاتهامات جزء من حملة التشويه والإلهاء المستمرة التي تقوم بها الحكومة السودانية».