*د. حيدر البدري يكتب في نقطة سطر جديد. … المحكمة الدستورية: حجر الأساس لدولة القانون ومستقبل واعد*

.

تمثل المحكمة الدستورية العليا حجر الزاوية في بناء صرح الدولة الحديثة، فهي الحارسة للدستور والضامنة لسيادة القانون. وفي خطوة بالغة الأهمية، تبرز الحاجة الملحة لإكمال هيكلها من قضاة مستقلين ونزيهين، يعملون بالتوازي مع النيابة العامة بقيادة النائب العام، وجهاز القضاء برئاسة رئيس القضاة، ليشكلوا جميعاً نسيجاً قضائياً متكاملاً وقوياً. ويحق لنا أن نفخر بأن تتولى هذه المسؤولية الجسيمة قاضية متميزة، كنائب عام كاأول امرأة سودانية تصل إلى هذا المنصب الرفيع، وهو ما يمثل إضافة نوعية وتقدماً مجتمعياً يعكس نضج المؤسسة وحيويتها.
وفي هذا الإطار، تأتي القرارات الأخيرة للفريق أول عبد الفتاح البرهان، التي أشاد بها الكثيرون، لتمثل منعطفاً تاريخياً نحو تفعيل دور الجهاز القضائي وتعزيز استقلاليته. هذه القرارات ليست مجرد تغييرات إدارية، بل هي إرادة سياسية حقيقية تفتح الباب واسعاً أمام “حكومة الأمل” ووزرائها للعمل المنظم الذي يحكمه القانون والمساءلة، وليس المزاجية والافلات من العقاب. إنها تَهيئُ الأرضيةَ الخصبة لبناء نظام تشريعي رصين، يقوم على برلمان رقابي فاعل، ونوابٍ أوفياء، مهمتهم المراجعة والمحاسبة لأداء العمل التنفيذي،فقوة المجتمعات تأتي من الناس وليس من اسيادهم.
نحن نفتقد حكم القانون والنظام.. نحتاج إلى الردع ومحاكمة اللصوص والخونة والمارقين، فالتحولات التي تشهدها مجتمعاتنا، وتبعاتها هذه الحرب، تلرز تحدٍّ جوهري يتمثل في الحاجة الماسّة إلى إعلاء مبدأ سيادة القانون، وتفعيل مؤسسات العدالة النزيهة، وبناء نظام رادع يحفظ حقوق الأفراد والمجتمع، ويضمن استقرار الوطن وازدهاره.
لطالما كانت القوانين والتشريعات، ولا سيما في شريعتنا الإسلامية الغرّاء، ضمانة للحقوق ودرعاً واقياً يحمي كيان المجتمع من عبث العابثين وجشع الطامعين. فحين أمرت الشريعة بقطع يد السارق، لم يكن ذلك تشويهاً أو انتقاماً، بل كان تقريراً لمبدأ عظيم: أن الجريمة لا تمر دون عقاب، وأن حرمة المال العام والخاص مصانة. لقد فهم أسلافنا أن من أمن العقوبة أساء الأدب ، وأن الردع هو ركيزة الأمن والنظام.
اليوم، ونحن نواجه استشراءً للفساد بمختلف أشكاله، من اختلاس للمال العام إلى استغلال للمناصب وتغول للامتهان السياسي، نجد أنفسنا إزاء حقيقة لا مفر منها: أن غياب المحاسبة والتراخي في تطبيق القانون يغريان بالمخالفة، ويشجعان على الاستمرار في الانحراف. فكم من لصٍ أو خائنٍ أو مارقٍ امتنع عن الإفساد حين أيقن أن يد العدالة ستمتد إليه لا محالة، وأنه سيلاقي جزاءه العادل.
إننا نحتاج إلى إعادة تفعيل كل المؤسسات العدلية، وتمكين القضاء العادل النزيه من أداء دوره دون ضغوط أو محاباة. كما يجب أن يترسخ في وعي السياسيين والقائمين على الشأن العام أن المنصب أمانة، وتكليف وليس تشريفاً، فليس المقصود بالمنصب نهب المال العام أو التمتع بامتيازات، بل هو مسؤولية تجاه الناس وخدمة للوطن.
ومن الأهمية بمكان ألا يُعمَّر المسؤول في منصبه إلى ما لا نهاية، بل يجب أن تكون هناك فترات زمنية محددة، كثلاث أو أربع سنوات، قابلة للتجديد فقط بناء على الكفاءة والإنجاز، ثم يغادر مشكوراً إن أحسن، أو محاسباً إن أساء. فالقيادة يجب أن تكون للكفاءة، وليس للمحاصصة السياسية أو المحسوبية . بلا مناطقية وجهوية وقبلية فكلنا أبناء الوطن الأم الواحد، مصيرنا جميعا مصيرا واحدا نعلو معاً ونسقط معاً. والعمل والإنتاج ليسا خياراً، بل هما واجب وطني لا يقبل التهاون. ولا مكان في مسيرتنا هذه للعطالة أو لشذاذ الآفاق الذين يفسدون أكثر مما يصلحون. كما يجب أن يتوقف التناحر السياسي العقيم، وأن تحل محله روح التعاون والبناء، فالحصة للوطن، والمصلحة العامة فوق أي اعتبار. فإما أن يُسهم الجميع في البناء والتعمير، وإما أن يعلموا أنهم بيضة فاسدة في سلة الأمة، مضرة لا خير فيها. وإن صاروا وسطنا لا يزيدوننا إلا خبالاً. فهم المثبطون المرجفين في المدينة.
فهل من رجل رشيد ينهض بهذه الأمة؟..
هذا كلام موجه لكم ياقادة هذه الأمة ( البرهان وأركان حربه… وكامل إدريس وأركان سلمه). هل من قادة صارمين يضعون حداً لهذا التردي؟ الجواب بين أيدينا، والإرادة ينبغي أن تكون جماعية، فالأمر لا يحتمل الانتظار.

–نقطة سطر جديد.

مقالات ذات صلة