*هجوم 1976.. مرتزقة أم مناضلون.. قراءة بعين الواقع!.. مقاربة نقدية في كتاب “الجيش السوداني والسياسة” الكاتب عصام ميرغني (3-7) وائل عبدالخالق مالك*

هجوم 1976.. مرتزقة أم مناضلون..
قراءة بعين الواقع!..

مقاربة نقدية في كتاب “الجيش السوداني والسياسة” الكاتب عصام ميرغني (3-7)

وائل عبدالخالق مالك

هناك لحظات في تاريخ السودان لا تتعلق بالوقائع فقط بل بالروايات التي نحملها عنها. هجوم يوليو 1976 كان إحدى تلك اللحظات. نصف السودانيين يصفونه بالبطولي والنصف الآخر يراه غزواً مدعومًا من الخارج. وسط هذا الجدل تختفي أسئلة أساسية مثل لماذا لجأت المعارضة للسلاح؟ وما الذي دفع آلاف السودانيين للمخاطرة بحياتهم في عملية جريئة؟ هذا المقال يحاول النظر إلى الحدث بعين الواقع بلا انفعال وبلا تزيين وبلا شيطنة.

لفهم كيف وصل السودان الي لحظة 1976 علينا العودة إلى السنوات التي سبقت الهجوم. بعد تصفية انقلاب 19 يوليو 1971 وإعدام قادته تحولت السلطة إلى نظام فردي مغلق بقيادة نميري. كتابنا يشير إلى مرحلة “القوات المسلحة والنظام المايوي 1969–1985”، حيث قام نميري بإعادة تشكيل الجيش مطيحًا بالخصوم ومتمسكًا بالموالين فقط.

هذا التحول جعل المعارضة — الجبهة الوطنية المكونة من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والإسلاميين —تبحث عن وسيلة أخرى للتأثير بعدما تبين أن الطرق التقليدية لن تؤدي إلى إسقاط النظام. وهكذا بدأ التخطيط لعملية مسلحة واسعة هدفها قلب النظام عبر جهد منسق ومنظم.

صحيح أن العملية انطلقت من ليبيا وحظيت بدعم لوجستي من القذافي لكن الغالبية العظمى من المشاركين كانوا سودانيين من ضباط سابقين احيلوا للتقاعد من الجيش، وشباب معارضين تلقوا التدريب في 1975–1976.

المعادلة هنا بسيطة وهي أن الدعم الخارجي موجود، لكنه لا يمحو هوية المقاتلين أو انتماءهم السياسي. السؤال الحقيقي هو هل كان ولاء القوة للمال أم للمشروع السياسي؟ الأدلة تشير إلى أنهم كانوا جزءًا من تحالف معارض منظم وليسوا مجرد مرتزقة.

إذن لماذا فشلت العملية رغم عنصر المفاجأة؟
الكتاب يضع الهجوم ضمن سياق أوسع من الصراع الداخلي مشيرًا إلى صدامات سابقة في الجزيرة أبا وانقلاب حسن حسين. النظام المايوي كان قد بنى جهاز أمن مركزي قوي وقادر على التصدي لأي محاولة انقلابية. لذلك كان الفشل كان أربعة عوامل رئيسية:
1. ضعف الاتصال والتنسيق داخل القوة المهاجمة.
2. المبالغة في تقدير الدعم الشعبي للمعارضة.
3. سرعة وكفاءة رد الفعل من قوات الأمن الخاصة.
4. الحسابات الإقليمية المعقدة، مع تحرك دول أخرى لقطع خطوط الإمداد الليبية.

من منظور السياسة السودانية كانت الجبهة الوطنية تمثل كتلة مدنية تطالب بإنهاء حكم فردي. ومعيار الانطلاق الخارجي يجعل العملية أقرب إلى مغامرة مسلحة مدعومة من الخارج. لكن الأهم ليس الحكم الأخلاقي بل الدرس البنيوي بأن السودان في السبعينات لم يكن لديه آليات سلمية للتغيير، ولا قنوات ضغط سياسي فعالة، ولا نظام حزبي قادر على العمل من الداخل. عندما تُغلق كل الأبواب يصبح السلاح خياراً حتى لو كان محفوفًا بالمخاطر.

هجوم 1976 لم يكن مجرد عمل مرتزقة ولا ثورة شعبية مكتملة. كان انعكاسًا طبيعيًا لنظام سياسي مغلق ومعارضة وجدت نفسها خارج اللعبة، وجيش أصبح جزءًا من الصراع بدلاً من أن يكون حَكَمًا. الحدث لم يكن استثناءً بل علامة في مسار طويل من الصراع السياسي في السودان، يمتد من بوابة السياسة المبكرة إلى الانقلابات والفصول التالية في التاريخ السوداني الحديث.

#جيش_واحد_شعب_واحد
#مافي_مليشيا_بتحكم_دولة
#ضد_الجنجويد
#حكومة_الأمل
#جيشنا

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole