كانت الخرطوم تنعم بايام وليال
بهية ، مترعة بالخير ، السماء تاج
عروس مرصع باللاليء واليواقيت،
النجوم تنام في مشيمة السماء ،
الطرقات تغفو ، تنام تحت ملاءة الليل
كانت سينما كلوزيوم تتحف الرواد
بارقى مبتكرات روائع الافلام ، “صوت الموسيقى” و ” زوربا “،
“انتوني كوين”، وذلكم الرقص الذي
شد الابصار، كان رقصه قيمة عالية،
الموسيقى الريفية البريئة، حركة
الاقدام ، ثم الخروج الى عوالم أخر
اليس هذا هو الفن في اصالته؟؟
كان صوت المذياع يصدح ، يبث
مواجع صب ، مدنف و ” اربعة
“سنين عاشم الحب”، صبية تتثنى
تحت اسر الموسيقى، عيناه تبرقان٠
كان هاشم صديق الملك يعيش كل
هذا الدفق الرومانسي الخلاب،
البيت الشعبي ، الحوش الواسع،
الحديقة الصغيرة ، وشجرة نيم
كثيفة الاوراق ، كان الصبي يخزن
كل هذا في ذاكرته ، تساقط الصور
مثل قطر الانداء على صفحة القلب
حتى اذا بلغ الامر منتهاه ،سالت
ينابيع الاشعار ، هامسة حينا، مجلجلة حينا اخر ٠
ثم ، كانت ” كلام للحلوة” تروي
مواجع ، اعتراف ونداءات قلب
ظل صامدا ، اشقاه ضرام ، ملك
الحب عليه قلبه
انظر معي لاستهلال النص الشعري
وما فيه من حداثة واستقلالية،” لما
شفتك”، الا يرجعنا هذا الشاهد الى
عمر الدوش ،” ولا الحزن القديم انت ” ، هي ذات المدرسة ، ذات
الجيل، الغناء الجديد الذي يبحث
عن مسارات جديدة ٠
هذا النص يغص بالالون المضيئة،
” بق نور” ، ” نجم يلالي” ثم” وهج
النهار”، هذا يفصح عن مخبوء روح
شاعر مغمور بفرح غامر ، يصحب
كل هذه الانوار الساطعة التفاتة لمشهد رومانسي جمع كل اطياف الجمال٠
“لما شفتك ليلي ضوا
بق نور
ونرجس الجنة المفرهد
رف بجناح عطور”
هاشم صديق غرس وردة في حديقة الغناء العربي في ايامه النضر٠
سعيد عقل كان يوظف الاشراق
ايضا،:
” يفرش الضوء على التل القمر”
يقطف الفل والياسمين، يضعه
على صدر الحبيب ، وهاشم صديق
يروي عشق النرجس، جعله فراشا
يرف باجنحة العطر٠ لكنه عاد الى
موروثه ، بصوته السوداني، يتنقل
في مقامات هذا الكائن العجيب،
الحب ، يصطاف بين عشق، وشغف
ووله ثم:
“غنا فارسك خت صورتك في الاطار”
يخاطب زمانه بروح الفارس وكبريائه ، معلنا وثيقة، وعهدا
لحب اضرم نارا :
“يا زمان اسمعني واكتب
البريدا٠٠ريدا سيدي
ريدي سيدا
الزمان لو حتى بالغ
ما اظن في يوم يعيدا”
وللاقدار كلمة، اذ تضع هذا النص الشرود بين يدي الباشكاتب ، “ابو
اللمين” ، قرأ النص مرة، ثم اخرى،
وفي حي ” ود ازرق” في قلب الجزيرة ، بدأت تتنزل اطياف الرؤى
الموسيقية، اوتار العود تهمس، يعتريها رنة حزن ، ثم شيء من وله٠
يحلق بك الباشكاتب عاليا، يصحبك،
ولكل مفردة ، بل لكل حرف مقام لحني ، اسمعه :
“فجأة عينيك الحبيبة
قالو سارح وين مسافر ”
انظر الى مفردة “الحبيبة” ، كيف
فعل بها الموسيقار العبقري، بل
كيف فعل بقلوبنا، كانما اراد اطالة
امد الاثارة، وكأنه يروي حكاية
عشق بتفاصيلها ، اختصرها كلها،
كلها في هذه المفردة “الحبيبة”