*يا نسمة (لزوم رفع المعنويات) ملهمة يا نسمة د. إحسان فقيري*

طالت غيبة الراحل محمد محجوب عثمان عن الوطن، فقد كان خارج البلاد عندما تم تعيينه عضواً في مجلس قيادة الثورة في انقلاب 19 يوليو 1971، وبعد فشل الانقلاب، بقي محمد خارج البلاد ولم تكن هناك طريقة لعودته، وفيما بعد كلفه الحزب لينوبه بمجلة السلم والاشتراكية التي كان مقرها براغ عاصمة الدولة التشيكوسلفاكية الاشتراكية السابقة، فبقي هناك وطال حنينه للوطن وأصبح يعبر عن ذلك للمقربين منه.
في منتصف سبعينات القرن الماضي زار الشاعر الراحل مبارك بشير براغ ضمن وفد بدعوة من اتحاد النقابات العالمي، وأثناء دردشة بينه وبين محمد محجوب عثمان عبر له الأخير عن مدى شوقه للسودان وأهل السودان، وتعلقه بأي شئ مرتبطاً به، حتى ولو (نسمة قادمة من الوطن ) كما عبر!.
ويتصادف أن اتحاد الطلاب السودانيين بالجمهورية التشيكية يقيم احتفالاً بمناسبة مرور ذكرى انقلاب 19 يوليو، في ذلك الحفل الذي يمجد شهداء يوليو عسكريين ومدنيين، حدث أن قدمت الطالبة وقتها إحسان فقيري والتي كانت تدرس الطب ببراغ، خطاب اتحاد الطلاب بصفتها نائباً لرئيس اتحاد الطلاب هناك، وقتها كان الشاعر مبارك يجلس بقرب محمد محجوب، لفت جمال وملاحة الطالبة إحسان فقيري إنتباه الشاعر، فعبر عن ذلك بطريقة عفوية لمحمد وهو يسترجع شوقه لنسمة الوطن الذي عبر به محمد للشاعر، فقال له بدعابة:ـ طيب ياخ الطالبة المعاكم دي ما برضو (نسمة جاية من الوطن)!، فضحكا وانتهى الاحتفال.
علقت ملامح الطالبة بخيال الشاعر فذهب لمرقده وملامح قصيدة بدأت تتخلق عنده، حيث دخل في دوامة من القلق والتوتر المعروف عند الشعراء عندما يحين أوان مولد قصيدة جديدة، وهكذا عندما لاحت أشعة شمس اليوم التالي كانت قصيدة (يا نسمة يا جاية من الوطن) قد اكتملت عند الشاعر كقصيدة جديدة!.
فيما بعد قدم الفنان محمد وردي القصيدة كأغنية بلحن جميل وجدت تجاوباً وإعجاباً وسط مستمعي ومعجبي وردي كالعادة.
أثناء دردشة ومؤانسة بالهاتف بيني والأخ حسن بدوي الذي يمت للشاعر مبارك بشير بصلة قرابةن حكى لي أنه سجل زيارة ذات يوم لدكتورة إحسان فقيري، ـ وكانت قد عادت من تشكوسلوفاكيا وأصبحت طبيبة عاملة في إحدى مستشفيات السودان ـ ودخلا في مؤانسة ودردشة بحكم علاقة اجتماعية قديمة بينهما، متناولين شتى الموضوعات، وفجأة تذكر حسن أغنية (يا نسمة) فأسر لها بما لم تكن تتوقعه، حيث أشار إلى أن الأغنية كتبها الشاعر في الأساس لها!، موضحاً أن مبارك كان قد أفصح له عن ذلك مسترجعاً مناسبة الاحتفال بمناسبة 19 يوليو والكلمة التي قدمتها فيه باعتبارها نائبة لرئيس الاتحاد!.
لم تحفل إحسان بالمعلومة وعدتها من دعابات حسن بدوي معها، إلى أن التقت الشاعر مبارك بشير في إحدى المرات، (فالشاعر مبارك بشير صديق لدكتور عوض المكاوي إختصاصي طب الأسنان ونعمل معا في مستئفي تقي التخصصي بأم درمان، فتصادف زيارة مبارك بشير لود المكاوي بمكتبه أثاء وجودي، وكانت أول مرة يلتقيني فيها بعد سنوات براغ تلك، فانتهزتها فرصة لأسأله عن صحة المعلومة وإن كان ما قاله حسن بدوي صحيحاً، فأكدها لي مبارك موضحاً قصتها وكيف نبعت فكرة أبياتها في الأساس!.
تمضي دكتورة إحسان موضحة لي أنه عندما حلً عيد ميلادها بادر مبارك بتأكيده للمعلومة عبر تهنئة رقيقة في قصاصة قال لها فيها:ـ
( بتمنى ليك كل الأماني الطيبة،،
مرة في القمر المساهر ،،
مرة في زاد المسافر ،،
مرة في فرح البنادر ،،
ومرة في نصرة نساوين البلد،،
لا قهرهن ،،
لا ظلمهن ،،
وتبقى أحلامن حقيقة ،،
في وطن أخضر حديقة ،،
إحسان وش السعد ،،
فاطنة أحمد موديل عشرين عشرين ،،
تسلمي ويسلمن ،،
عيد ميلاد بخيت وسعيد).
وإحسان عضوة الحزب الشيوعي السوداني والقيادية في الاتحاد النسائي السوداني وعدة منظمات للمجتمع المدني برزت كناشطة ومدافعة عن حقوق المرأة، خاصة في أوساط النساء المسحوقات، وقفت لجانبهن وجانب قضاياهن كطبيبة وكإنسانة مناضلة بإخلاص من أجل سعادة هذا القطاع من النساء، وهو ما أهلها لنيل جائزة حقوق الانسان، تقديراً لها ولهذا الدور وهذا العطاء.
توضح لي إحسان بعد أن إندهشت عن كيفية إلمامي بالمعلومة، مشيرة لي ـ وخيرتني بين أن أصدقها أو لا ـ أنها عرفت بالمعلومة في فترة متأخرة جداً، قبل اربعة سنوات فقط!، وأنها لم تنقلها إلا لقلة من الأصدقاء يعدون على أصابع اليد الواحدة، حتى أهل بيتها لم يكونوا على علم بالأمر إلا مؤخراً.
= (أما أبو رشد، فلمن حكيت ليهو، بصراحة أخد ليهو صنة كده، ورفع راسو قال مبارك شاعر ممتاز وانتي تستاهلي، وأصبح يمازحني أحياناً بي يا نسمة)!.
+ ،،،،،،،،؟!.
= سبحان الله يا حسن، طول عمري بحب وردي لمن يغنيها، وبقعد أترنم براي أحياناً!. بس أصلو ما كان بمر بخاطري إنو يا نسمة دي لي أنا!.
د. إحسان زوجة وأم لولدين وتعمل حالياً كطبيبة بالسودان وتواصل ذات النشاط الذي أصبحت تُعرف به. وفقها الله.

يا نسمة
كلمات: مبارك بشير
لحن وآداء: محمد وردي
يا نسمة حظك جميل دائما تسافرى
بلا تصاريح للسفر
وتعودى عبر المستحيل
نديانة زى صدف البحر
يا نسمة لا تتاخرى
عذبنى طول الانتظار
قبال تجى رشى المحنة
بكل دار كل البيسال طمنى
وانا فى البعيد
مشتاق لهمسة من الوطن
يا نسمة ارتاحى فوق الامسيات
تلقى الحبايب لسة فى
اريتنى لما الليل يض
فى مجلس الدافى الوفى
سارح اغنى الذكريات
يا نسمة يا جاية من الوطن
بتقولى لى ايام زمان ما برجعن
باكر برجعنى الشجن
واتهنى بيك طول الزمن يا نسمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ضمن كتابنا “ملهمات ـ الجزء الثاني ” معروض الآن بجناح دار المصورات للنشر، صاله رقم 3 جناح C69 بمعرض القاهرة الدولي

مقالات ذات صلة