الفاشر اليوم لا تحتاج كلمات مواساة بل تحتاج قرارا حاسما يقطع حلقات الموت ويكسر الطوق قبل أن تتحول المدينة إلى مقبرة كاملة التفاصيل المعطيات على الأرض لا تسمح بمزيد من الصمت المدينة محاصرة منذ شهور الإمدادات انقطعت عن آلاف العائلات الجوع يلتهم الأطفال والمستشفيات متوقفة والناس يقتسمون الفتات بينما العالم يكتفي بالبيانات
مجلس الأمن والدفاع فشل فشلا ذريعا في إصدار قرار للتحرك حتى الآن والدول القريبة لم تصدر بيانا إنسانيا واحدا عن الفاشر ولا عن تدهور أوضاعها الإنسانية هذا الصمت ليس حيادا بل مشاركة في الجريمة كل يوم تأخير يعني مزيدا من الأطفال الذين يموتون جوعا ومزيدا من المستشفيات التي تتوقف ومزيدا من العائلات التي تُدفن ببطء تحت الركام
أين مناوي وأين جبريل وأين عبدالله يحي هؤلاء الذين يعرفون تفاصيل المدينة حجرا حجرا وشارعا شارعا لماذا لا يتحركون لفك الحصار لماذا لا يستخدمون نفوذهم لفتح الممرات ولماذا يتعاملون مع مأساة الفاشر وكأنها خبر عابر في نشرة المساء مناوي الذي قاتل يوما من أجل دارفور عليه أن يسمع اليوم صرخة الفاشر جبريل الذي جلس على مقاعد القرار عليه أن يتذكر أن الكرسي لا يصنع المجد بل الموقف وعبدالله يحي الذي يعرف تضاريس الوجع عليه أن يتقدم الصفوف بدل أن يختبئ وراء التصريحات القوات التي داخل المدينة صبرت وصابرت وسجلت تاريخا ناصعا من الصبر صمودها الأسطوري لن ينساه التاريخ هؤلاء لم ينهزموا رغم الجوع والحصار والخذلان لكن هل تريدون لمدينة كالفاشر بهذا الصمود أن تُدفن بالجوع هل هذه هي مكافأة الأبطال الذين وقفوا في وجه المليشيا المجرمة
الميليشيا التي تحاصر الفاشر ترتكب جريمة مكتملة الأركان تستخدم الجوع سلاحا رسميا ضد المدنيين تمنع الغذاء والدواء والماء وتقطع الطرق وتسرق القوافل وتقتل الناس لأنهم لم يركعوا هذا الفعل وحده يكفي لاتهامها بجرائم حرب يجب أن تُحاكم قياداتها كمجرمي حرب لا كأطراف سياسية
أما الدول القريبة التي تتحدث عن الجوار والدم الواحد فأين هي حين يختنق الناس بالجوع على بعد كيلومترات من حدودها الصمت هنا خيانة الصمت هنا مشاركة في الجريمة كل يوم يمر دون تدخل هو وصمة عار على جبين الإنسانية الفاشر ليست مجرد مدينة إنها آخر أسوار الكرامة وصمودها اختبار للعالم كله اختبار للحكومة واختبار للقادة واختبار لنا جميعا من يصمت اليوم عن جوعها سيصمت غدا عن موت وطن بأكمله
نحن لا نطلب بيانات بل فعلا ميدانيا ممرات آمنة فورا إدخال الغذاء والدواء فورا حماية المدنيين فورا كسر الحصار بالقوة إذا لزم الأمر لأن الجوع لم يعد ورقة تفاوض بل سلاح إبادة
الفاشر تموت والعالم يتوضأ بالنفاق كل منظمة تكتب بيانا وتنام وكل مسؤول يتحدث عن القلق ولا يتحرك وكل قائد يتحدث عن الوطنية بينما الناس تموت عطشا وجوعا
إلى متى هذا الصمت إلى متى هذا الجبن إلى متى ندفن المدن ونغني للسلام الفاشر الآن تنادي لا بكلمات بل بأنينها الحارق أنقذوها إن كنتم تملكون ذرة ضمير أنقذوها قبل أن تكتب في التاريخ مدينة أُبيدت بالجوع أمام عيون العالم
الفاشر صامدة لكنها جائعة قوية لكنها وحيدة تنتظر قرارا يليق بدمها وصمودها الفاشر لا تسأل الرحمة بل العدالة ولا تريد الشفقة بل الفعل الفاشر لا تموت إلا إذا مات ضميرنا جميعا