لم يعد حديث ناظر الرزيقات مجرد زلة لسان، ولا مجرد رأي سياسي متوتر في زمن حرب. لقد صار خيانة صريحة للوطن، دعوة علنية للخراب، ومبايعة كاملة لمليشيا تورطت في الاغتصاب، القتل، النهب، تشريد المدن، وتحويل السودان إلى مقبرة مفتوحة. الرجل يتحدث وكأنه خارج الزمن، كأنه لم يسمع بقرى أُحرقت، بنساء انتُهكت أعراضهن، بأطفال دُفنوا بلا أسماء، بشباب حُوّلوا إلى رماد تحت عربات “التاتشر” التي يصفق لها ويصفّها كأنها مستقبل البلاد.
أي عقل يقبل بهذا السقوط؟ أي فهم للقيادة هذا؟
الناظر، بدل أن يكون صوت تهدئة، صار محرّض حرب، يدعو إلى اجتياح الخرطوم وكأن الخرطوم ليست قلب السودان، وكأن الدم الذي يريد أن يغرقها به ليس الدم الذي يجري في شرايين أهله، جيرانه، إخوته في الوطن. يتحدّث وكأن الخراب مشروع سياسي، وكأن الدم عملة للمزاد، وكأن الأوطان تُدار عبر الصراخ والتهديد.
الرجل يتحدث بثقة الجاهل، وبغرور من لا يعرف معنى الدولة، ولا يعرف أن السلاح الذي يباركه اليوم يمكن أن ينقلب عليه غدًا، وأن الفوضى التي يدعو إليها لن تقف عند أسوار الخرطوم.
ألا يخاف؟ ألا يستحي؟ ألا يدرك أن النار التي ينفخ فيها ستأكل مناطقه أولًا قبل أن تصل إلى الخرطوم؟
ثم يأتي الوليد مادبو ليكمل المشهد المظلم: رجل يكذب أمام الكاميرات كما يتنفس، لا يرتجف له جفن، ولا يهتز له ضمير. يجمّل الجرائم، ويزيّن الكارثة، ويرسم للمليشيا صورة بائسة من البطولة الزائفة. ثنائي الجهل — الناظر ووليد — يقدمان للعالم «مسرح جهل» لا يليق بالقرن الواحد والعشرين ولا ببلد ينهشه الدم.
والمصيبة الكبرى، أنهم باعوا الشباب بالرؤوس كالقطيع، دفعوا آلاف الفقراء إلى جبهات النار، باعوا أحلامهم، أيديهم، أرجلهم، مستقبلهم.
أكثر من خمسة آلاف الشباب عادوا مبتوري الأطراف… عالة على أسرهم، وعلى حياتهم التي تحطّمت… كل ذلك نتيجة غباء قيادة، وجهل ناظر، وتحريض أعمى، وولاء لرجل أمي اسمه حميدتي، ملأ السودان بالموت وملأ جيوبه بالدولارات.
ألا يكفيهم هذا الخراب؟
ألا يكفيهم أن حميدتي قبض ثمن أبناء دمه وقودًا لحرب قذرة؟
ألا يكفيهم أنهم سلّموا شبابهم للفناء مقابل نفوذ زائف، ووعدٍ بالسلطة لن يأتي، وحلمٍ بالسيطرة مات قبل أن يولد؟
أي تاريخ سيقبل هذا السقوط؟
أي ذاكرة ستغفر لناظر وقف في صف المليشيا ضد شعبه؟
أي صفحة ستبيّض خيانة رجل حوّل منصبه إلى منبر للتحريض؟
التاريخ لا يرحم.
والمدن لا تنسى من دعا إلى هدمها.
والأوطان تحفظ في صدورها أسماء الذين وقفوا مع القتلة.
إن ناظر الرزيقات اليوم ليس قائدًا.
ليس حكيمًا.
ليس صاحب رؤية.
إنه صوت الهاوية، بوق الفوضى، وواجهة جهل أسود تيلطّخ كل من يقف وراءه
نكتب هذا اليوم لأن الصمت جريمة، ولأن الحقيقة يجب أن تقال
من يبارك خراب الوطن، لا يُسمّى قائدًا… يُسمّى عبئًا على الوطن.
ومن يحرّض على الحرب، عليه أن يتحمل نتائج النار التي أشعلها.
ومن يقود الفوضى، فليتوقع أن الفوضى ستبتلعه أولًا قبل أن تبتلع الخرطوم.
هذا زمن الانكشاف…
وزمن سقوط الأقنعة…
وزمن فضح الجهل الذي يتزيّن بعمامة القيادة…
والتاريخ سيكتب:
أن الناظر الذي أراد أن يَحكم بالترويع…
انتهى مخلوعًا من ذاكرة الوطن…
ومصبوبًا في قاع مزبلة التاريخ.




