البرهان: ورقة مسعد بولس غير مقبولة، ونخشى أن يكون عقبة أمام السلام..
تصريحات ترامب أربكت رواية مستشاره بولس بشأن الحرب في السودان..
هدسون: بولس يردد الرواية الإماراتية بدلاً من تقييم موضوعي لحقيقة الوضع..
ما طبيعة المعلومات التي كان بولس ينقلها لترامب؟ ومن المستفيد من هذا التضليل؟
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
هاجم رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، صهر الرئيس الأمريكي، ومستشاره للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس، منتقداً مواقفه من أزمة الحرب في السودان، ووصف البرهان الورقة التي قدمتها الآلية الرباعية عبر مستشار الرئيس الأميركي بأنها “أسوأ ورقة” تُطرح على السودان، حديث البرهان الذي جرى أمام ثلة من جنرالات الجيش السوداني برتبة اللواء فما فوق، يأتي بُعيد لقاء الرئيس دونالد ترامب بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث انكشفت تناقضات حادة في الخطاب الذي ظلّ يقدمه بولس، باعتراف الرئيس ترامب الذي قال إنه لم يكن يعلم بحقيقة ما يجري في السودان إلا بعدما قدّم له الأمير السعودي شرحاً وافياً عن طبيعة الصراع وتداعياته الإنسانية، ليفتح هذا التباين الباب واسعاً للتشكيك في المعلومات التي نقلها مسعد بولس للإدارة الأميركية وطبيعة الدور الذي يلعبه في ميدان ملف الأزمة السودانية، بالغ الحساسية.
صلة وصل مُضلِّلة:
ومنذ تعيينه في أبريل 2025م مستشاراً للرئيس الأمريكي للشؤون العربية والأفريقية، ظهر مسعد بولس في تصريحات متعددة يبشر بـدور أميركي حاسم لإنهاء الحرب، مستنداً إلى الآلية الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، حيث قدّم بولس نفسه بوصفه صلة الوصل المركزية بين الإدارة الأميركية والأطراف الإقليمية، وروّج لما سماه “مقترحاً متكاملاً” للحل، يقوم على وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية، وتمهيد حوار وطني تعقبه ترتيبات سياسية جديدة، بيد أن هذه الرواية ظلت تُطرح دون خطوات عملية واضحة، قبل أن يتبيّن بعد تصريحات ترامب الأخيرة أن جزءاً مهماً من هذا الخطاب لم يكن يستند إلى موقف راسخ داخل الإدارة الأميركية نفسها.
تحول في الفهم الأمريكي:
لقد مثّل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نقطة تحول في فهم الموقف الأميركي من أزمة الحرب في السودان، فترامب اعترف أمام الصحافة بأنه لم يكن مدركاً لحقيقة ما يجري على الأرض، وأن الأمير محمد بن سلمان هو من قدّم له الصورة الكاملة عن اندلاع الحرب وتداعياتها الإنسانية والأمنية، ووفقاً لمراقبين فقد طرح هذا الاعتراف أسئلةً صعبة أمام رواية مسعد بولس، مفادها: كيف ظل المستشار المسؤول عن الملف السوداني يتحدث عن جهود أميركية نشطة، بينما رئيسه نفسه لم يكن يعلم بتفاصيل الأزمة؟ وما طبيعة المعلومات التي كان بولس ينقلها إلى الإدارة الأمريكية؟ ومن المستفيد من تغذية هذا التضليل؟
هدسون في مواجهة بولس:
وقبل أن تجد هذه الأسئلة الحائرة عن إجابات شافية، إذا بالباحث والدبلوماسي الأميركي كاميرون هدسون، يخرج إلى الملأ ليكشف ما سماه التشويش المتعمد الذي ظل يمارسه صهر الرئيس الأمريكي مسعد بولس بين سطور ملف الأزمة السودانية، واتهم هدسون، مسعد بولس بنقل معلومات خاطئة للرئيس ترامب، وأن بولس كان أقرب إلى ترديد الرواية الإماراتية منه إلى تقديم تقييم موضوعي يعكس حقيقة الوضع، ونوه هدسون إلى أن لقاء ترامب مع محمد بن سلمان مثّل لحظة تصحيح، وأن الدور الأميركي القادم سيكون أكثر مهنية من المسار الشخصي الذي اعتمد عليه بولس، وأن واشنطن ستنخرط في حل الأزمة السودانية بمستوى أرفع من مسعد بولس ورباعيته، مبيناً أن إدارة الرئيس ترامب تعمل الآن على إنشاء خطة جديدة للحل السوداني، مؤكداً استعداد أمريكا للتوسط في وقف إطلاق النار بين الأطراف الخارجية الداعمة للحرب في السودان، لكنه شدد على أن هذه الخطوة تتطلب قيادة جديدة لإدارة الملف.
النقاط فوق الحروف:
في تطور لافت يعيد رسم صورة مستقبل المشهد الأمني والسياسي في السودان، وضع رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، النقاط على الحروف، ولم دور يُخفِ البرهان غضبه من المقترح الذي حمله مسعد بولس من الآلية الرباعية، واصفاً ورقة الرباعية بأسوأ ورقة تقدم ضمن المقترحات التي قدمت لمعالجة أزمة الحرب في السودان، مبيناً أن ورقة بولس تلغي وجود القوات المسلحة، وتطالب بحلّ الأجهزة الأمنية، بينما تُبقي الميليشيا المتمردة في مواقعها، وهو ما اعتبره انحيازاً يهدد أي وساطة بالتحول إلى طرف غير محايد، وقال البرهان إن بولس يتحدث بلسان الإمارات، ويردد اتهامات لا أساس لها مثل عرقلة المساعدات أو استخدام أسلحة محظورة، مؤكداً أنه لا أحد في السودان يقبل بوجود المتمردين في أي حل سياسي، وأن خارطة الطريق الحقيقية هي التي قدمتها الحكومة السودانية نفسها، وتابع: “نحن نقول إن ورقة مسعد بولس غير مقبولة، ونخشى أن يكون عقبة أمام السلام، ونعتقد أن الوساطة إذا كانت ستمضي في هذا المنحى هي وساطة غير محايدة”.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فإن التطورات المتسارعة في قضية الحرب في السودان، كشفت أن ما كان يقدمه مسعد بولس ليس سوى سردية مُفبركة أو غير دقيقة، تستند إلى قنوات تأثير خارجية تسعى لتشكيل الموقف الأميركي بما يخدم مصالحها في السودان، وقد نسف لقاء ترامب مع محمد بن سلمان هذه الرواية وفتح الباب أمام مقاربة أميركية جديدة قد تنضم إلى المسار السعودي الأكثر إدراكاً لطبيعة الصراع ومألاته، وبينما ينتظر السودان دوراً دولياً متوازناً يساعد في إيقاف الحرب وإعادة الاستقرار، يبدو واضحاً أن واشنطن لن تستطيع المضي قدماً دون التخلص من تأثير مسارات مضللة كالتي كان يتولاها مسعد بولس، وأن تعيد بناء فهم دقيق يستند إلى حقائق ودقة معلومات، لا إلى مخططات تآمرية وأجندات.




