عندما شارك خالد عمر يوسف في جلسة البرلمان الكندي، كان أمامه احتمالان لا ثالث لهما، إما أن يتحدث كسياسي مسؤول يدرك وزن كلمته عندما يخاطب الخارج أو أن يقدم خطاب موسمي بسردية مهترئة ليغازل المجتمع الدولي على حساب الحقيقة. ما سمعناه كان الخيار الثاني وبفارق كبير.
خالد نقل صراع السودان إلى الخارج في نسخة مخففة تريح الأذن التي تدعمه وتدعم المليشيا، وبنفس السردية البالية عن حرب الحركة الاسلامية وغيرها من خطرفات دولة العدوان، وقدم خطابه على أساس وجود طرفان متساويان كلاهما يتحمل المسؤولية وكلاهما جزء من المشكلة. هذا النوع من الطرح قد يسهل تمرير رسائل سياسية صغيرة لكنه يهدم الفكرة الأساسية لأي دولة وهي وجود جيش رسمي يحتكر القوة وفق القانون مقابل مليشيا خارجة على الدولة ومدعومة من قوى أجنبية.
هنا بيت القصيد. عندما يساوي سياسي سوداني بين الجيش الرسمي وبين جماعة ارهابية مسلحة ارتكبت انتهاكات موثقة، ودمرت المدن وتلقت دعمًا مباشرًا من دول لا تتردد في استخدام السودان كساحة نفوذ فهو يفقد أبسط معايير الحياد والرؤية الاستراتيجية.
المساواة بين الطرفين ليست خطأ في التقدير بل هي خطيئة سياسية. لأنها تعني عمليًا أنك تنزع الشرعية عن المؤسسة الوحيدة التي تبقى للدولة حتى في أسوأ لحظات الانهيار، وتمنح شرعية ضمنية لمجموعة مسلحة تعتمد في بقائها على الخارج لا على السودانيين. سياسي يتطلع للحكم لا يمكنه أن يخلط بهذا الشكل بين الدولة وما يهدد وجودها.
دعونا نقارن هذا بحديث د. معتصم علي في الجلسة نفسها. الرجل لم يوزع صكوك براءة على أي طرف ولم يقدّم السودان كقصة بسيطة يصفق لها النواب الكنديون. شرح واقع الحرب كما يجري، شرح كيف تقاتل المليشيا داخل الدولة، وكيف يدفع المدنيون ثمنًا لا يحتمله بشر، وكيف يتآكل النظام العام من الداخل دون الحاجة إلى تزيين أو تحميل طرف واحد كل شيء. كان حديثه أقرب لشهادة خبير يفهم أن البرلمان الكندي ليس منصة للخطابات الشعبوية بل مكان تُبنى فيه سياسات خارجية تؤثر مباشرة على حياة الناس في السودان.
الفرق بين الخطابين واضح. خالد قدّم رواية تناسب المعركة السياسية الداخلية التي يخوضها والخط الاعلامي المرسوم من دولة العدوان الإمارات ظنًا منه أن الخارج يمكن استخدامه لرفع كلفة خصومه. بينما د.معتصم قدّم رواية تُعين العالم على فهم الحقيقة بدلًا من استغلالها.
الخطير في خطاب خالد ليس انحيازه فكل سياسي منحاز. الخطير أنه ينسف فكرة الدولة نفسها حين يساوي بين جيش رسمي — رغم كل ما يمكن قوله عنه — وبين مليشيا متمردة مدعومة من أطراف أجنبية. هذا النوع من الطرح يجعل قائله أقرب لمنافس على سلطة أضعفت حظوظه الحرب وهذه حقيقة، لا رجل دولة يفكر في مستقبل بلد كامل.
السودان الآن يحتاج لأشخاص يرفعون صوت الحقيقة لا أشخاص يرفعون سقف الصراع السياسي باستخدام المنابر الدولية. يحتاج من يخاطب الخارج أن يدرك أن كلماته تُصنع منها سياسات لا تغريدات سوشيال ميديا. وهنا يسهل فهم لماذا بدا خطاب خالد سلك تجربة خاسرة بينما جاء خطاب معتصم أقرب لما ينتظره السودانيون من أي شخص يدّعي أنه يتحدث باسمهم.
ببساطة خالد سلك ليس الا نموذج لنمط تفكير وسلوك وممارسة سياسية أقعدت البلاد وما زالت تحاول ايرادنا موارد الهلاك. هذا النمط وهذه الممارسة يمثلها بامتياز قادة ومنسوبي تحالف صمود آخر التخلقات التكوينية لقوى اعلان الحرية والتغيير ومن بعدها تقدم. وهذا هو جوهر صراعهم وافتراضاتهم اللاسياسية، حيث لا يملكون مصلحة في وجود جيش قوي ولا مؤسسات دولة حقيقية وانما يريدون دولة وجيش ومؤسسات ضعيفة ومتهالكة تسهل لهم تشكيل معادلة سياسية قائمة على توازن الضعف ليضمنوا وجودهم في أي معادلة للحكم عقب الحرب، أسوة بضمان نفوذ الدول والمنظمات التي تدعمهم وتسهل حركتهم في الخارج. فالفرق بينهم وبين الجنجويد فرق مقدار لا فرق نوع.
#جيش_واحد_شعب_واحد
#مافي_مليشيا_بتحكم_دولة
#ضد_الجنجويد
#حكومة_الأمل
#جيشنا




