*َمنذ فجر الانسانية نجد ان احداث العالم تتأرجح بين حامِلين أساسيّن هما الدين والمصالح ..!*
وقد بدأت *ملامحه تتضح* معرفياِ :
منذ ان صدر كتاب *اليهودي العالمي* تحت اشراف المليونير الامريكي *هنري فورد* في ١٩٢٠ ، والذي اعتبره البعض أهم كتاب في القرن العشرين *مناصراً لمعاداة السامية* ، ومن اوائل الكتب التي كشفت *خبايا الدين السياسي ، وتأثير توظيف المعتقد الديني* في الاقتصاد ، وتحذيره من وقوع *امريكا في براثن سيطرة اليهود* ، مستغلين *العاطفة الدينية لتيار الاصوليين الصهيونيين المسيحيين* الصاعد ..
والكتاب *ألب عليه اليهود في العالم اجمع* ، اذ كادوا ان يفلسوا به ، ويخرجوه تماما من سوق التصنيع الامريكي خاصة السيارات …
كما ان ذلك يتضح ضمن *التيار التوعوي المناهض لتوظيف الدين في السياسة* ، منذ ان اصدرت الكاتبة الأمريكية *غريس هالسل* كتابها (*النبوءة والسياسة _ الانجيليون العسكريون في الطريق الي الحرب النووية* عام ١٩٨٦) وتبعته بكتابها (*يد الله*) قبل وفاتها بعام ..
وترسخ ذلك ايضاً واتضح في عالمنا العربي بعد ان اصدر الكاتب والصحفي المصري *رضا هلال* عام ١٩٩٩ كتابه القيم (*المسيح اليهودي .. المسيحية السياسية والاصولية في أمريكا*) وهو الكتاب الذي ادي الي *اختفائه بعد عام من اصداره ، اي منذ عام ٢٠٠٠ الي اليوم* ، ولم تحل قضيته بعد ، ولم يعرِف احدُُ عنه شيئاِ *وهل هو ميت ام حي* ..
ومنذ ان توالت هذه الاصدارات وغيرها بدات ملامح القصة تتضح لدي الكثيرين ..
*وسقطت اقنعة عديدة ، وبدات الظلال الملونة التي تخفي تزاوج اللاهوت والمصالح ، تتراقص وتبين في مضمار السياسة بامتداداتها المحلية والدولية ..*
وما ان استلم *رونالد ريغان المسيحي الاصولي المتصهين رئاسة امريكا* ، حتي بدا البيت الابيض *يظلله الصليب* ، وتقام فيه الصلوات ، وتخضع *القرارات المصيرية الأمريكية الكبري لاستشارة وراي القساوسة وقرائتهم التنبوية*، من امثال جيري فلويل وبات روبنسون وغيرهم ، وبدات *اكبر دولة علمانية* في العالم *تقع في فخ اليمين الصهيوني المسيحي* ، من اصحاب *المذهب التدبيري* ، واتباع مجموعات *المجئ الثاني للمسيح* ، والذين انتظموا لاحقاً فيما عُرف *بتيار المحافظين الجدد* ..
وهو تيار إشتد عوده في عهد الرئيس *بوش الابن* ، وابان عن نفسه بشدة غير معهودة عندما صرّح قائلاً :
إن *الحرب الصليبية الثانية قد بدات اليوم* ، وهو يشير الي *سفنه الحربية* وهي تقصف حينها بصواريخها بعيدة المدي كابول ، والي *طائرات عاشق الصليب السكيِّر* وهي تصب حممها علي افغانستان وذلك في ٧ اكتوبر ٢٠٠١ ..
وقتها بدا يترسخ تاثيرُُ قويُُ ومتعاظم للتيار *اليهومسيحي او تيار الاصولية الصهيونية التدبيرية المسيحية* ، وبسجل حضوراً كبيراً في السياسة الامريكية الداخلية والخارجية ..
وتبدي تأثيره *الداخلي في الحملة العنيفة الرامية الي مناهضة وتجريم الاجهاض من منطلقات دينية* ..
وفي *السياسة الخارجية في الدعم اللامحدود لاسرائيل تنفيذاً لوعد الرب* ، وضرورة قيام دولة إسرائيل التوراتية وطغيانها ، ومن ثم *تقديمها قرباناً للرب يسوع المسيح ، وبشري لحلول الالف عام السعيدة*، والتي تبدأ بمجئ المسيح الثاني لدينونة البشر ، *ورفع اتباعه المخلصين* ليعيشوا معه *الالف التدبيري السابع السعيد في جنة السماء* ..
هنا بدأ *تزاوج اللاهوت والسياسة* بصورة فاعلة وجلية ، وهو حصاد لزرع بذره *القس الاصلاحي الالماني مارتن لورثر* منذ ١٥١٧ عندما بدأ *حركته الإحتجاجية* ، والتي انجبت لاحقاً *مذهب المحتجين (البروتستانت)*، وقادت الي تحرير عقول المتدينيين من سيطرة رجال الدين وتحكمهم في مصيرهم الاخروي ، واطلقت لهم العنان لتدبر كتابهم المقدس واختياراتهم بلا وصاية وربوبية بشرية ..
ولكنها في ذات الوقت ادت الي ظهور عِظم تأثير الدين علي السياسة ، *وإختلط المال بالقداس ، والدولار بالصلاة* فحمل كل منهما الاخر ..
والدين كان دائماً في *خانة المُستغَل* من جانب ربابنته ، وبان ذلك ووضح في السلطة *الالهية الانتفاعية للبابا* ، اي منذ ان بدأ *البابا الكاثوليكي* وزبانيته يبيعون *صكوك الغفران ، وسندات الخلاص* ..
ولحظة *صعود التيار التدبيري هي اللحظة التي صار فيها الدين هو المدخل للسياسة* ، وارتفع شأن الكتاب المقدس ، خاصة التوراة ، *وقصصه الملحمية* وصارت منبعاً لكل باحث عن غرض دنيوي او آخروي ، فتم *استغلال الدين في السياسة ، وتوظيف السياسة دينياً* ، بدعوي *تحقيق نبوءات اخر الزمان ، خاصة ما جاء منها في رؤيا يوحنا* ..
ومع سيادة الفكر التدبيري صار *القبول السياسي* يمر عبر الدين ، *والاجازة الدينية* هي التي تفتح للسياسي *ابواب الترقي السياسي* ، وصار كل فعلٍ *مبرر مهما كان سيئاً* ، وذلك في مساعي تحقيق *الحلم التوراتي بقيام دولة إسرائيل*، الممهد لتحقق *الحلم الاصولي المسيحي بالمجئ الثاني للسيد المسيح* ، وهو ما يعني *انتقال التأثير وصناعة القرار السياسي الامريكي من العلمانية والعقلانية والمصالح ، الي الغيبية الدينية ، واضابير الكتاب المقدس ومشيئة الاله* ، وصار تأثير واهمية *عضو الكونغرس الامريكي تنبع من مدي قربه من التصور اللاهوتي والانجيلي الرؤوي* لمجمل ما يدور من أحداث في العالم اليوم ..
وهذا هو *المدخل الذي عمد البرهان الدخول به الي قلب ساسة امريكا ومواقفهم* تجاه السودان ، اي *المدخل الديني الاصولي التدبيري* ، بعد ان وضح ان *اصحاب المصالح مقدور عليهم* ..
وكما قلت إن السياسة الأمريكية علي مر تاريخها العملي تقوم علي *حامِلين رئيسيين ، هما اللاهوت والمصالح ..*
فإذا تكفلت *زيارة بن سلمان بجانب حامل المصالح واكدت عليه* ، فقد تُرِك امر تثبيت *حامل اللاهوت لصاحب الشان (البرهان)* ، لهذا جاء مقاله في *وول استريت جورنال WSJ* مركزاً علي *الجانب اللاهوتي* ، مُذكراً بان *السودان* ما هو الا اسم اخر *لارض كوش التوراتية* ، اي تلك *المذكورة في التوراة اكثر من اربعين مرة* ، وان ملوكه العظام هم من *حموا اليهود وهيكلهم المقدس من بطش الاشوريين* قديماً …
ولو كان مع البرهان من هو متعمق في *التاريخ اليهودي الكوشي*، لابان لهم ان *نبي الله موسي كوشي* بلا جدال ، وان *بني إسرائيل كوشيون ايضا* ، وذلك قبل ان *يتهود ملك الخزر صابريل بولان* ، ويسرق *الخزر الترك المعروفين اليوم بالاشكناز التاريخ اليهودي لبني إسرائيل ويجيروه لصالحهم* ، ويفصلوه تماما عن *اصله الكوشي*، وأن يذكرهم بان *معبدهم المقدس* ما هو الا *معبد آمون* في فضاء جبل البركل المقدس ..
*ولكن هل يؤتي هذا الخطاب أُكله إستناداً علي اللاهوت …؟*
قد يأتي بنتائج ، ولكنها *لن تكون تلك النتائج المرجوة* ، لسبب مهم جداً ، وهو ان علي قيادة أمريكا اليوم *رئيس من اصحاب المصالح*، ولا اعتقد ان *يهوه اله اليهود يهمه* ..
وقد لا *يهتم بالمسيح جاء او ذهب* ..
بل قد *لا يفرحه قدومه* لانه *يفسد عليه جنته الارضية التي هو مشغول ببنائها الان* ..
لهذا اري ان *توجه الحكومة خطابها لاصحاب المصالح داخل امريكا* ، لان هناك *طرفا اخر منافس لها (الامارات)* يرفع *ورقة الدولار ، وليس الانجيل* في تعامله مع *الداخل الامريكي* (والكل له ثمن) ، *فالعالم لا يحكمه الخير ولا تتنزل عليه البركات عبر المسيح* الذي جعله الله *مباركاً*، ، ولكن *عبر الورقة الخضراء* التي تحتضن على ركنها صورة *الهرم ذو العين الواحدة* ، وهي *عين مسيحهم* الذي يعبدونه ، *وربهم الذي يثقون فيه* ، ويُقِرون بذلك *بكتابتهم علي صك العبودية الدولاري* جملة (*في الله نثق .. (In God We Trust)*
إنه *ربهم ومسيحهم المزيّف ، Anti_Christ، او الدجال* ..
خاطبوا *اصحاب المصالح* ، فالدين *مُستخدم ومُستغل* بعد ان تعطلت *مركبة المسيح السماوي وتأخرت في الوصول* فتأخر *قدومه المتوقع* …
*حيدر التوم خليفة*
الخرطوم
الجمعة ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٥




