*بالدارجي وكدة : الجمرة بتحرق الواطيها ،، 🇸🇩 أمير صالح جبريل*

بالدارجي وكدة :
(موجة) حزن تغمر القلب
،،،،،،،،،،
لا أدري لماذا اخترت هذه الأغنية ،، ؟
لعله الحزن ،،
إن الحزن في النفس كالمغنطيس ،، يطغي فيجذب كل شيء حزين حوله ،،
ذكريات ،،
كلمات ،،
أغاني ،،
ربما لأن طبيعة النفس الأولى هي الحزن ،، وأراه في مبدئها كثوب يكسوها لكنه يطرز بالفرح بين حين وآخر ،،
كنت قد وصلت ليلا إلى مصر ،، حاضرا من وطني العزيز ،، في حقيبتي بن محوج بطريقتنا المحببة، ، وفي قلبي قصص محزنة عايشتها مع ابناء شعبي أوان النزوح ،،
صنعت فنجان قهوتي كالعادة ،،
وبدأت اتجرعه ،، وفي الحلق غصة،،
وانا استمع بحزن لهذه الأغنية ،،

يدخل (الاوكورديون) بمقدمة حزينة يمهد لسؤال كوني ،، يطرحه صوت البلابل الشجي وهو يزجل بترنيمة صوتية بدون موسيقى

(مافى إنسان يحكي ليكم
عن دموع الناس وحبات العرق)

هو خطاب للانسانية كافة ،، تلك التي خلقها الله بالفطرة ،،
بحث عن كلمات تحكي عن ألم كبير ليس ماديا بقدر ماهو روحي ونفسي ،،

سؤال بلا جواب

مافى إنسان يحكي ليكم
عن دموع الناس وحبات العرق
يروى غربة زول موالف
عمره لا راح لا مرق

قد لا يحس احدكم بهذه الجملة غيره هو ،،
انسان (موالف) يجد نفسه في غربة فجأة وهو (عمرو لا راح لا مرق)،،
هل تصدقون أن هناك أناس (عمرهم) وطيلة حياتهم لم يغادروا مدنهم ،، (الخرطوم او مدني) أو غيرها ،،
ثم فجأة يجدون انفسهم يهرعون في شوارع غربة داخلية قبل الامكنة ،،
يا لشقاء الروح الآمنة حين تجزع ،،
وقد مسها الضر ولسان حال إنسانها صوت البلابل

أصبح الشوق فى حروفه
نار على صفحة ورق
مافى يا ناس قلب يسأل
عن غريق شبعان غرق

الله عليك يا دسوقي ،،
أشعلت حروف الشوق للمكان وللناس وجعلتها كجمرات فاحترق الورق ،، وقبله احترق قلب غريق (شبعان) غرق ،،
ذلك قمة الصراع ،،
وتلك يا أحبتي كلمات الشاعر الكبير سيف الدين الدسوقي ،، وهو الذي رفد مكتبة الأغنية السودانية بالكثير من الاغاني ،، هاهو يطرح سؤال يأس ليس له جواب ،، لكن ذلك لن ينسينا كم بث من آمال في حياتنا حين صدح له الذري ابراهيم عوض بأغنية (المصير) وقال : (تاني ما تقول إنتهينا) ،،
وأنا ،، كم كنت سعيدا في ذلك اليوم حين زارني في البنك عقب فوزي بجائزة تيمور للمسرح العربي بالقاهرة عن كتابتي لمسرحية ،، كان كبيرا حين جاءني أنا اليافع حينها ليهنئني ويحثني على بذل المزيد ،، ويبث الأمل والطموح في قلبي ،،
لم تبارح صورة تلك اللحظات مخيلتي ،،
وهو من برع في رسم الصور بالكلمات
واللحن هنا يمهد لرسمها في بوتقة موسيقية غاية في الروعة

شوفوا الصورة دي

شفتو: لما الليل يروح
والفجر يفرد جناحه
والعيون الساهرة تغمد
والقلب تهدأ جراحه
نحن يادوب يومنا يبدأ
ما ضرورى يطل صباحه

والزمان دايرنا نخضع
ومافي إنسان بيحكي ليكم

اللحن (ذاتو) يطرح السؤال قبل الكلمات ،، ويحكي عن حجم ذلك القلق في نفس إنسان حزين تحمله (موجة) لمصير مجهول ،، فحين تغمض العيون وتهجع القلوب والصباح يغطي بجناح ضوءه الشاحب كل مكان ،، عندها يجتاح سؤال القلق بدنه ويبدأ يومه الذي لا يرى فيه فرقا بين صباح وليل ،،
الي أين ،،؟
(والزمان دايرنا نخضع)
هذه العبارة استوقفتني كثيرا وهي تخرج من سياق النص الشعري ،، وكأنها نبؤة غريبة للشاعر الكبير عن حال ما بعد السقوط في اليأس ،،
هل هو تحدي ،،؟
هنا يرد الملحن العظيم بشير عباس على السؤال بلحن راقص يبث الأمل في روح ذلك البدن ،، ينثر حنينه بأنين من الفلوت ،، وتدخل البلابل في ذلك الكوبليه بتطريب عالي

أنحرمنا من الحبايب
وعشنا فى الغربة البعيدة
كل موجة حزن تمضى
بكرة موجة تهل جديدة
لا خطاب بحمل محبة
ولا وصية بت نريدا
لا أمل ينعش قلوبنا
ولا خيالاتنا السعيدة

الزمن دايرنا نخضع
ومافي إنسان يحكي ليكم

الحرمان من الحبايب ،،
والعيش في مر الغربة ،،
وفقدان الأمل والخيالات الجميلة ،،
شئ لحظي ستحمله موجة الحزن وتمضي و(بكرة) تهل موجة أخرى ،،
رغم أن الزمن يريد كسرنا و اخضاعنا ،،
الله عليك يا بشير عباس حين (تسلطن) باوتار عودك ،،
فهو يا سادتي ملحن كبير ،، لديه مقطوعات موسيقية عديدة اشهرها (القمر في كنانة) ،، كما أنه بثنائيته مع ثلاثية البلابل ضخ ألحان كثيرة رسمت الفرح في حياتنا ،، وهو من قدمهن وابتدأ معهن تجربتهن الغنائية التي لاقت نجاح كبير ،، وذلك لانسجام صوتهن ولاختيار كلمات وألحان قمة في الجودة والروعة
في الختام ،،
تعاود البلابل السؤال ،،
والسؤال أمانة ،،
مافي إنسان يحكي ليكم ،،؟
،،،،،
بالدارجي وكدة : الجمرة بتحرق الواطيها ،،
🇸🇩 أمير صالح جبريل✏️

مقالات ذات صلة