تتصاعد وتيرة الصراع السياسي مع قرب الحسم العسكري للتمرد، ولكن طبيعة الصراع وأدواته تبدو أنها إعادة لجولة مواسم سياسية سابقة، حينما تواجهت القوى المدنية مع بعضها إبان أزمات مضت.
أداء القوى السياسية بلا استثناء يثير حنق الكثيرين، بما فيهم الموالون، الأداء هو نفسه، قد سبق له المرور بالذاكرة السياسية السودانية، سيناريو معاد لا جديد فيه سوى تبادل الأدوار.
طالما تساءلنا، هل عجزت النخبة السياسية السودانية عن ابتكار مشروع وطني؟، يجمع السودانيين حول حسم مصيرهم، أم أنها مجرد أدوات لأجندات خارجية؟، ولا تملك قرارها الوطني لإنقاذ الشعب من ورطته.
المواقف المضطربة، وكثرة النزاع حول توافه الأمور، والتوق المفرط للسلطة، حتى وإن تجاوزت وسائل الحصول عليها كل القيم والأخلاق.
ما لدينا، مع قدر كبير من التبسيط، مجموعتان من القوى المدنية؛ واحدة منهما تعيش على الحالة القديمة للعنفوان الكلامي، وحلم الديمقراطية الضائع، الذي يتجاهل التضحيات الكلية للشعب السوداني، وتأخذ ما يليها نصيباً وقدراً وطريقاً إلى السلطة، هي ذات القوى المدنية التي تفضل دائما طرح الأهداف المستحيلة، حتى بعد الدماء الغزيرة التي سالت الآن.
والأخرى هي القوى المدنية التي ترفع شعارات المقاومة، نجدها ما زالت تقتات من ذاكرة السياسة، ولم تدرك أن العالم يمضي بسرعات غير تلك التي نعرفها نحو التقدم، وأننا ما لم ندركه الآن ونمسك به زرعاً في ترابنا فسوف تضيع منا الفرصة.
هي نفسها متشظية وان عقدت عشرات المؤتمرات، وأعلنت مئات التحالفات، وقدمت الكثير من الرؤى، فما زالت الصبيانية تسيطر على عقول قادة تيار أحزاب المقاومة، باستثناء الإسلاميين والذين يبدون ظاهرياً متماسكين نوعاً ما، فإن المجموعات الأخرى متناحرة ومتصارعة، وأقرب مثال، تلك المعركة فارغة المضمون التي اندلعت بين “اردول ” و “عسكوري”، وانتهت إلى اللاشيء.
يجب أن تفهم قوى المقاومة بأنه لم يعد هناك بداً من “العمل المشترك”، لأنه ببساطة لا تستطيع المنظومة الأمنية والعسكرية بمفردها أن تواجه التحديات “المشتركة” أيضاً الواقعة على السودان، والتي قد تكون الأكثر صعوبة في التاريخ المعاصر، ومنذ تحقيق الاستقلال حتى الآن.
المسألة هذه المرة في العام الرابع من العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين لا تتحمل كثيراً من البيانات المشتركة بالتضامن والتأييد، أو محاولات رأب الصدع الصورية، التي تقوم بها الجماعات السياسية من وقت لآخر، أو لأن هناك حنيناً إلى لحظات “سودانية”، تمتزج فيها الحماسة مع عاطفة فوارة للتضامن في لحظة حرجة.
إصلاح هذا الحال ومنعه من الوقوف عقبة أمام المحاولات الجادة للتغيير، والمضي على طريق المقاومة، يتطلب كتلة قادرة على التفكير المشترك، وخلق مبادرات وأفكار علمية قادرة على مواجهة “الطوفان” من ناحية، واستمرار الإصلاح والمحافظة على قوة اندفاعه من ناحية أخرى في اتجاه إقامة الدولة الوطنية.
العمل السوداني المشترك بدايته التوصل إلى استراتيجية للتعامل مع واقع معقد لا يوجد فيه فقط الانقسام بين عملاء ووطنيين، أو الشرخ السوداني بين “يسار” و “يمين” والفلول والأطهار، وفيه أكثر من ذلك داخل الأحزاب الوطنية نفسها، التي تبدو عاجزة عن التعامل مع فرصة تاريخية أتيحت لها ولا تزال متاحة تكون فيها جزءاً من نظام وطني يقوم على البناء.
مأساة تيار أحزاب المقاومة، أنهم لم يتركوا فرصة للاقتراب من مطالبهم إلا وضيعوها؛ ولكن لم يحدث أبدا أن تم تطبيق نفس المنطق على القوى المتحالفة مع التمرد.
محبتي واحترامي