*لم تستطع* البشرية تطوير وسائل لحل النزاعات أفضل من السبل الودية. فهذه الحلول ليست مطلوبة بعد نشوب الحرب وإنما هي جوهر العمل السياسي الذي يجب بذله حتى لا تنفجر. من ذلك نشأت المقولة: “*أفشل الساسة من تنشأ الحروب وهم على قمة المشهد السياسي*”. سواء لسوء إدارتهم أو استعجال طرحهم للموضوعات التي جرت للحرب، فإن ذلك يظل محل المحاكمة السياسية لا الجنائية. مهما يكن من أمر، باندلاع الحرب فإن الفئة الباغية لا يجوز مساندتها وإنما مواجهتها حتى تتوقف العدائيات طوعاً أو كرهاً. وكما هو معلوم، أن وقف الحرب يتبلور من قرار الأمة السياسي ومطالبتها الصريحة بوضع السلاح وإخلاء بؤر التوتر لتبدأ الحياة في الاستقرار. بكلمة واحدة تتوقف الحرب بوحدة الأمة وانعقاد ما يشبه إجماعها على تحديد الباغي من حملة السلاح ومواجهته ومن يظاهرونه معنوياً، وإن استدعى الأمر مادياً.
*الحرب* هي الحالة الوحيدة التي توحّد ضمير الأمة وذلك بغض النظر عن ايدولوجيات أحزابها وتياراتها السياسية. مهما بلغت الصراعات لا يجوز لأمة أن تفشل في تحديد من بغى عليها وشردها بالقوة. حرب السودان تعد الوحيدة على مستوى العالم التي قسمت الشعب. صحيح أن هذا الانقسام لعبت فيه الأجندة والمصالح المحلية والأجنبية دوراً واضحاً، مع ذلك فإن المواطن البسيط دفعته خبرته السياسية لأن يحسم خياراته منحازاً، ومنذ الوهلة الأولى، ضد قوات الدعم السريع. المواطن مدرك أن ما تكبده من خسائر بسبب تقصير القوات المسلحة نتيجة طبيعية لما تعرضت له كل مؤسسات الدولة من تجريف. فالموازنة السياسية والخيارات المتاحة تتجلى في أن ما ينطبق من مطعن على شرعية القوات المسلحة وقيادتها ينطبق على قوات الدعم السريع. من ذلك تتلاشى مبررات استمرار حرب الدعم السريع سواء على القوات المسلحة والمواطن، والحساب قدام.
*صحيح* أن واقع ما قبل وبعد الحرب أدى لأن تشوب المواقف السياسية انقسامات حادة ما بين محايد أو مع أو ضد الحرب. حتى هذا التصنيف ومقولة *الحرب التي لا تخصنا*، تكشّف أنها ليست موقفاً من الحرب بحد ذاتها وإنما تكتيك من أجل الاستقطاب والتكسب السياسي. هذا الواقع الشاذ لم تكن نتيجته أن يلعب الساسة دورهم في محاصرة الحرب بقدرما زادوا من خسائرها المادية على المواطن. بجانب الضرر المادي، معنوياً وسّع بعض الساسة من هوة الحرب وشيوع التخوين وذلك لعدة أسباب: *السبب الأول*: تغليب المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية. للأسف، كل أطراف الحرب سواءً أكانوا من العسكريين أو المدنيين ما زال كلٌ منهم إما منحازاً إلى فئة أو مستعجل أو حريص لأن يفني الآخرين سعياً للسلطة. *السبب الثاني*: الإصرار على تغليب الحل الخارجي على الوطني. أوضح دليل على ذلك تضخيم دور المنابر الإقليمية مع إفشال وتشكيك متعمد لأي محاولات وطنية. المؤكد أن أي صيغة حل خارجي لن توقف مثل هذا النوع من الحروب *السبب الثالث*: غلبة الصبغة السياسية للحرب وآلتها الإعلامية لم تنهك المواطن وتشتته وحسب، وإنما حاصرته في خانة المتابع للوسائط أو النائي عن أي أدوار حقيقية يفرض بها رؤيته وخياراته التي بدونها لن تتوقف الحرب، ونواصل.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
7 أبريل 2024