*حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل) اللجنة الاقتصادية التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب ومعالجتها*

بسم الله الرحمن الرحيم
حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
اللجنة الاقتصادية

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب ومعالجتها

مقدمة:
بمرور عام على حرب التدمير العبثية التي اندلعت في “15 أبريل/ نيسان من العام الماضي، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، تتناول مساهمة اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بالرصد والبيانات والمعلومات، ما أمكن، والتحليل وبمنظور اقتصادي اجتماعي والتركيز عليه، تداعيات الحرب وآثارها البنيوية على مجمل الأوضاع في البلاد ومعالجتها من خلال ثلاثة محاور:
1/ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب
2/ الجذور والأبعاد التاريخية الكامنة للحرب
3/ التأثير والأدوار الإقليمية والدولية في مجرياتها والمعالجة.

تغتني المساهمة بالحوار والملاحظات
أدناه المحور الثاني:

 

(2) من (3)

الجذور والأسباب التاريخية الكامنة للحرب

موجز تاريخي للتطورات

بعد معركة كرري بين جيوش الثورة المهدية في عام “1898م” والقوات البريطانية الغازية والتي حسمها التفوق العسكري الناري الغربي على بسالة وشجاعة وفراسة السودانيين، وقوع السودان في براثن الاحتلال مجدداً، حرص المستعمر البريطاني، انطلاقا من أهدافه الاستعمارية ومصالح بريطانيا العظمى، على إعاقة وإجهاض أي بوادر جنينية لثورة مهدوية أخرى، فقتل واعتقل الكثير من القادة والثوار المهدويين وأبقى على من ضَمِنَ ولائه أو استكانته، وخلق منظومة معقدة لإدارة البلاد من ذوي المصالح المشتركة معه، مركزاً على استمالة قادة الطوائف الدينية وزعماء العشائر والإدارات الأهلية ليخلق منهم طبقة توظف نفوذها الديني والاجتماعي للعمل بالإنابة عن المستعمر البريطاني، وتنفيذ سياساته بالقاعدة التي عمد على إرسائها (فرق تسد) وقوانين المناطق المقفولة.
ويجب الإشارة إلى أنه ورغم هذه العوائق المصطنعة والهادفة إلى محو كل أثر ثوري ومقاوم لسياسات المستعمر، إلا أن جذور الثورة المتقدة في نفوس السودانيين وجيناتها الباقية في الوعي والإرادة الوطنية قد عبرت عن نفسها بصيغ مستقبلية متعددة في العديد من أنحاء البلاد – في شرق السودان وجنوبه، وفي كردفان ودارفور، وفي الجزيرة ووسط السودان – والتي تنهض شاهداً على عمق وتأثير الوعي الثوري والوطني الذي بذرته الثورة المهدية.

البرم من الديمقراطية وعدم ربطها بمصالح غالب الشعب والسلام

بعد جلاء المستعمر عن السودان في مطلع عام “1956م”، واجهت الأحزاب والهيئات السودانية بتنوعها الفكري تحديات كبيرة في التوصل إلى توافق حول نظام الحكم والدستور الذي سيُنظم البلاد في مرحلة ما بعد الاستقلال.
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فقد عمدت السياسات الاستعمارية البريطانية على إعاقة مسار التطور الاقتصادي المستقل القائم على الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي وتكامل قطاعاته وتلبية احتياجات الأسواق المحلية والوطنية، بفرض نمط اقتصاديات وسياسات تلبي احتياجات بريطانيا وطلب السوق الرأسمالي، وهو ما أرسى قواعد التطور غير المتوازن – اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا – والاقتصاد المرتبط باحتياجات السوق الرأسمالي (للمزيد راجع كتاب البعث وقضايا النضال الوطني في السودان، والمبحث الاقتصادى في تقريري مؤتمري القطر الخامس والسادس) .
وبسبب تأزم الأوضاع في البلاد، والفشل في حل مشكلة الجنوب؛ حدث انقلاب الفريق ابراهيم عبود في “17” نوفمبر “1958م” – الذي أطلق عليه البعث مسمى مؤامرة “17” نوفمبر – لأنها – أي المؤامرة – ارتبطت مباشرة بمخططات وصعود الاستعمار الأمريكي الحديث لضرب وتصفية حركة النهوض الوطني والقومي التحرري في الوطن العربي وأفريقيا، وفق مبدأ دوايت ايزانهاور لملء الفراغ.
لقد حدث هذا الانقلاب – الذي تم كعملية “تسليم وتسلم” من ناحية أخرى – كدليل على مدى عمق أزمة الحكم في السودان منذ البداية ومبدئية التمسك بالديمقراطية والتعددية، فكان أول ضربة لنظام التعددية الحزبية في البلاد والذي شرعن لاحقا لتدخل الجيش في الحكم والسياسة والاقتصاد.

أسقطت انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول “1964م” الحكم العسكري الأول، وعادت التعددية الحزبية للمرة الثانية إلى السودان، والتي تميزت بوجود تمثيل للقوى “المناطقية” داخل البرلمان، مثل مؤتمر البجا واتحاد جبال النوبة وجبهة نهضة دارفور، بالإضافة للقوى الجنوبية، ويعد هذا التمثيل مؤشر لتمرد سلمي ديمقراطي على هيمنة الزعامات والقوى التقليدية في مناطق حواضنها الأساسية، وربما كانت امتداداً لخروج إسماعيل الأزهري من عباءة الطائفية والفوز بانتخابات “1955م” تحت اسم الحزب الوطني الاتحادي، وما من شك لاختلف الوضع السياسي في البلاد إذا ما قدر لهذه التعددية الحزبية الاستمرار من خلال ربطها بتحقيق مهام ما بعد الاستقلال السياسي، لولا انقلاب النميري في “25” مايو “1969م” الذي بدأ بشعارات يسارية وانتهى بممارسات يمينية، مستقوياً بقوى الظاهرة السياسية الدينية من الإخوان المسلمين وجماعة أنصار السنة والطرق الصوفية المختلفة. وقد شهدت أواخر فترة نميري حدثان مهمان، هما إصدار “13” قانونا أبرزها قانون العقوبات الذي اشتمل على العقوبات الحدية أو ما عرف بقوانين سبتمبر، والآخر تجدد الحرب في الجنوب عام “1983م” وإعلان ميلاد الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق.
مما عجل باندلاع انتفاضة مارس/ أبريل “1985م” التي أسقطت الدكتاتورية العسكرية الثانية بعد “16” عاماً. سقطت دكتاتورية النميري والبلاد بلا دستور دائم أو نظام للحكم متوافق عليه، مع وضع اقتصادي متردي (كانت سلطة مايو قد رضخت في العام “1978م”، ولأول مرة في تاريخ السودان، لشروط صندوق النقد الدولي بالموافقة على وصفته التقليدية ومنها ربط قيمة الجنيه السوداني بالدولار الأمريكي، وأجرت أول تخفيض لقيمة الجنيه الذي كان يعادل في وقتها “3.4” دولار أمريكي وقامت بإقرار سياسات تعدد سعر الصرف، مقابل الاستمرار في السلطة بالتسوية السياسية مع المعارضة والتي عرفت بالمصالحة الوطنية التي رعتها أمريكا، وحرب مشتعلة في الجنوب. وفي هذه الظروف تشكلت حكومة انتقالية بمجلس عسكري انتقالي يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية برئاسة الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب وحكومة مدنية برئاسة الجزولي دفع الله لمدة عام واحد، تهدف لتحقيق ثلاث أولويات تتمثَّل في “حل سلمي لمشكلة الجنوب” و”كفالة الحريات العامة” و”كَنْس آثار مايو”، إلا أن هناك جملة من العوامل أسهمت في عجز الحكومة الانتقالية عن إنفاذ هذه الأهداف الرئيسية أشار لها أحمد إبراهيم أبو شوك، وصلاح الدين الزين محمد، في التقرير الموسوم الانتقال الديمقراطي في السودان “2019م-2022م” التحديات والآفاق، بثلاثة عوامل (أولها: قصر الفترة الانتقالية؛ لأن الأحزاب السياسية لم تكن مطمئنة لاستمرار العسكر في السلطة بعد أن أعلنوا سيطرتهم على مجلس رأس الدولة، وثانيها: إعلان المجلس العسكري أنه مكون ثانٍ في الحكومة الانتقالية؛ الأمر الذي دفع جون قرنق، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان آنذاك، إلى وصف الحكومة الانتقالية بأنها “حكومة مايو الثانية” ولذلك رفض التعاون معها، وثالثها: الجبهة الإسلامية القومية التي وقفت عائقًا أمام إلغاء القوانين القمعية التي أصدرها الرئيس المخلوع جعفر نميري، بعد أن بايعته “إماماً للمسلمين”. وفي نهاية عام الفترة الانتقالية أُجْريت الانتخابات التي تحصل فيها حزب الأمة الجديد بزعامة الصادق المهدي على أعلى عدد من مقاعد البرلمان.

اتسمت فترة الديمقراطية الثالثة بالعجز وعدم الاستقرار ومهادنة بقايا مايو، إذ تم تشكيل خمس حكومات إئتلافية في ظرف ثلاث سنوات، كما شهدت هزائم متلاحقة للجيش في الجنوب أدت إلى تذمر القيادة العامة للجيش التي قدمت مذكرة لرئيس الحكومة الصادق المهدي، مطالبة إياه بالعمل على تزويد الجيش بالعتاد العسكري الضروري، أو وضع حد للحرب الدائرة في الجنوب، وأحدثت المذكرة بلبلة سياسية في البلاد، واعتُبِرَت مؤشراً جديداً لتدخل الجيش في السياسة. تدهورت العلاقة بين الجيش وحكومة الصادق المهدي بعد توجيه الفريق فتحي أحمد علي القائد العام إنذاراً إلى الحكومة، طالبها فيه بالاعتدال في مواقفها السياسية ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين، وبالرغم من رفض الصادق المهدي هذا الإنذار إلّا أنه رضخ للضغوط وأعلن قبول اتفاقية السلام التي وقعها الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني مع الحركة الشعبية لتحرير السودان عام “1989م” بزعامة جون قرنق.

 

من التسليم والتسلم إلى تصعيد فلاسفة اليمين واحتياطي الرجعية

وفي ظل هذا الوضع المأزوم، تآمرت “الجبهة القومية الإسلامية” على النظام الديمقراطي البرلماني، ونفَّذت انقلابًا عسكريًّا في “30” يونيو “1989م”، ظل في سدة الحكم “30” عامًا معتمداً في بقائه على طبيعته الفاشية والمتاجرة بالدين، وعلى دور الأجهزة الأمنية والعسكرية والواجهات الاقتصادية والمالية والإعلامية الخاصة بالتنظيم والموازية لأجهزة الدولة.
إنّ تجربة حكم الجبهة القومية الإسلامية المستبدة – التي تميزت بإحكامها السيطرة على كل مفاصل الحياة في البلاد – ترتبط بشكل مباشر بالحرب الحالية، “فدون إغفال لارتباط قادة طرفي الحرب الحالية بنظام الإنقاذ منذ وقت طويل، واستخدام الإنقاذ للقوات المسلحة في صراعاتها في سبيل السلطة والثروة ثم إضعافها، وتأسيسها لقوات الدعم السريع لحماية مشروعها السلطوي، وتبني العنف لمواجهة التطلعات الشعبية والمطالب المشروعة” وهو النهج الذي أسهم في توسع المليشيات والفصائل المسلحة، غير ذلك كله فإن النظام الاقتصادي الاستبدادي – الكليبتوقراطي والزبائني – المتسم بسوء إدارة الموارد، والفساد الممنهج، والقائم على الاستدانة الذي انتهجته الإنقاذ، وهو النهج المتماهي حد التبعية (بسياسات التحرير الاقتصادي المطلق ورعاية مصالح الرأسمالية الطفيلية) مع النموذج الغربي الإمبريالي، المستند على فلسفة التمكين الاقتصادي والاجتماعي للموالين لها والردفاء، وتعميق الفوارق الطبقية، وتذكية النعرات ما دون الوطنية وتهديد السلم الأهلي وتمزيق الأواصر الاجتماعية، وتدمير قواعد الإنتاج مع تنمية مصالح الرأسمالية الطفيلية، بزيادة حدة الفقر، وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية، وتراكم الديون وخدماتها، وتدمير ما هو موجود من مؤسسات مدنية ومن بنى تحتية، وضعف في النمو الاقتصادي، وارتفاع نسب التضخم، وهجرة العقول والسواعد وإساءة استخدام الموارد، كل ذلك بالإضافة لإشعالها الحروب في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، وإنشاءها للميليشيات المسلحة، ومعاداة الحقوق والحريات العامة والتعددية الحزبية، وفصل الجنوب عن الشمال، وتسميم علاقات السودان مع محيطه العربي الأفريقي والمجتمع الدولي، كل ذلك أدى لمحصلة نهائية عنوانها إنهاك المجتمع، وإضعاف الجيش، وإضعاف مؤسسات الدولة، وتضعضع السلطة المركزية في البلاد، وتدويل شؤونها، وتكبيلها بسلسلة من القرارات والعقوبات الأممية والأمريكية والغربية والديون. وبالتالي فإن نظام الإنقاذ بكل ممارساته القمعية والفاسدة مَثَّل الأرضية الخصبة التي انطلقت منها حرب” 15″ أبريل/ نيسان”.

 

تمسك الشعب بالديمقراطية لم يتزحزح وعراقة تقاليد نضاله السلمي الديمقراطي تترسخ

ورغم القمع والبطش استطاع الشعب السوداني، وللمرة الثالثة، أن يُسْقط النظام الدكتاتوري عبر الانتفاضة الشعبية السلمية التي فاقت سابقاتها في أكتوبر” 1964م” وأبريل” 1985م”، بأنها كانت الأوسع انتشارًا في جغرافية السودان، والأكثف مشاركة من كافة شرائح المجتمع السوداني، والأطول نَفَساً إذ امتدت من ديسمبر “2018م” إلى “11” أبريل “2019م” حين سقط سياسياَ البشير ونظامه، وبهذا يؤكد الشعب السوداني على تمسكه بخيار الديمقراطية والتعددية والحكم المدني وفق إرادته الحرة عبر تقاليد نضاله السلمي الديمقراطي.

وبعد مماحكات من عدة أطراف – وظَّفت ما سبق الإشارة إليه سالفاً – تم التوافق على ما تعارف عليه بالشراكة بين المكون العسكري والمكون المدني بموجب الوثيقة الدستورية أغسطس “2019م”، والوصول لصيغة سياسية كانت تهدف للوصول بالعملية السياسية الانتقالية إلى التحول الديمقراطي وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات العامة بعد “39” شهرا، إلا أن المهمة لم تنجح لظروف موضوعية أبرزها “العراقيل التي وضعتها قوى الردة والفلول المرتبطة – بحكم المصالح والاستعداد – بصورة مباشرة بالقوى الاستعمارية الحديثة وبالنظام الإمبريالي العالمي وبمؤسسات الصuيونية العالمية” و”بالمخاوف والهواجس عند أنظمة الجوار القلقة من تمادي زخم الانتفاضة الثورية واستدامة الديمقراطية المرتبطة بالإنجاز في السودان ليصل إليهم، وظروف ذاتية مرتبطة “بالشراكة كمؤسسة” و”بتركيبة المكون المدني” بعد الانتقال من المعارضة إلى الشراكة في السلطة و”بظروف القوى السياسية والحركة الجماهيرية المنهكة بطول أمد الديكتاتوريات”.
واجهت الفترة الانتقالية الكثير من التحديات أهمها إصلاح مؤسسات الدولة كضرورة لتحقيق متطلبات الانتقال الديمقراطي وكيفية إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية وإخضاعها لسيطرة الحكم المدني، وآليات ووسائل إزالة تمكين نظام الإنقاذ، وفك العزلة الدولية عن السودان، وغيرها من التحديات. ولكن تآمر قوى الردة داخلياً وخارجياً كما أسلفنا، بالإضافة لتحدي التركيبة البنيوية غير المتجانسة للشراكة مع المكون العسكري وللقوى السياسية المشكلة للفترة الانتقالية، كل ذلك -وغيره- أقعد بالفترة الانتقالية عن الوصول لمبتغاها، فأقدمت قوى الردة على تنفيذ انقلاب البرهان/ حميدتي في “25” أكتوبر”2021م” المسنود بأنصار النظام البائد ومجموعات اعتصام الموز، وبدعم وإسناد من الكيان الصhيوني الذي لم يتوانى عن إعلان الاعتراف به. هذا الانقلاب القائم على جمع المتناقضات بداخله – وصلت التناقضات فيه جراء التكالب على السلطة والنزوع للتفرد بها وسط مكوناته – حدًا أوصل البلاد لحالة الانفجار العسكري، لتندلع حرب الخامس عشر من أبريل.

خلل بنيوي وانتقال من العجز والفشل إلى تحالف الطفيلية والعسكرتاريا

خلاصة ما تقدم من هذه الفذلكة التاريخية المطولة أن هناك خلل بنيوي في تركيبة الدولة السودانية منذ نشأتها الأولى في عهدي الحكم الاستعماري، التركي والإنجليزي، كما أشار لذلك حزب البعث في وثيقته التاريخية الموسومة (البعث وقضايا النضال الوطني في السودان “1973م”) حول التناقضات الطبقية العميقة التي أورثها الاحتلال التركي والإنجليزي، للحكم الوطني، وكيف عجزت الطبقة البرجوازية التقليدية – وبحكم تركيبتها – عجزت عن السير في طريق استكمال الاستقلال السياسي وتدعيمه بالتنمية والسلام والاستقلال الاقتصادي عن السوق الرأسمالية العالمية وتعزيز التدامج الوطني والوحدة والتعايش السلمي، مما فتح الباب واسعا أمام عدم الاستقرار السياسي والذي تعد ظاهرة الانقلابات العسكرية أبرز تجلي له، إذ استحوذت الدكتاتوريات العسكرية (عبود، نميري، البشير، البرهان – حميدتي) على نحو “55” عاما منذ ان نالت البلاد استقلالها قبل “68” عاما أي (“13” تعددية متقطعة )، والتي أكدت تجارب دكتاتورية حكمها أنها (صنو الخراب الاقتصادي والاجتماعي والفساد والاستبداد) كما قال الراحل الأستاذ بدر الدين مدثر (أمين سر القطر السابق) عليه الرحمة.

الحرب: ثمن غياب التنمية المتوازنة وتحالف الطفيلية مع الجيوش والمليشيا

إنّ نهج التطور الرأسمالي الذي انتهجته الحكومات الوطنية المتعاقبة منذ الاستقلال- وهو نهج موروث من الاستعمار البريطاني- كانت أبرز تجلياته غياب التنمية المتوازنة بحشد الموارد والعدالة الاجتماعية. غياب هذين العاملين وازدياد الفوارق الطبقية، يعد من أهم العوامل التي تؤدي إلى عدم الاستقرار والاضطرابات، ممّا يُمهّد الطريق للحروب.
أدت الفوارق الكبيرة على مستوى الخدمات الأساسية- دعك من التنمية بمفهومها الشامل- بين الريف والمدينة في البلاد، أدت إلى حدثين أساسيين شكلا مع أحداث أخرى أرضيات أججت حرب الخامس عشر من أبريل، الحدث الأول هو حالة النزوح الكبيرة من الأرياف إلى أطراف المدن، بسبب عوامل ذاتية وموضوعية، أبرزها غياب التنمية المتوازنة وتردي الخدمات الأساسية المذكور آنفاً، والجفاف والتصحر، وتبني العنف سواء من السلطة أو المعارضة المسلحة، وتطاول ٱجال الدكتاتوريات العسكرية، مما خلق حزام واسع من الفقر المحيط بالمدينة، هذا الفقر المرتبط بالإحساس بالظلم وباليأس والإحباط يدفع بالعديد ممن يكتوون بنيرانه للإنزلاق نحو التطرف وجماعات الجريمة المنظمة. والحدث الثاني هو استغلال السلطة وأجهزتها الأمنية من جانب وقوى التخلف والتفتيت- على حد سواء- لهذه الفوارق في تسويق خطاب “المظلومية” السياسية والاجتماعية كشعار في الاستقطاب والتعبئة لتبرير العنف كوسيلة للتغيير أو إجهاضه.
استغل هذا الخطاب مؤخراً في التحضير والتعبئة للحرب والاستقطاب لإدامتها وتوسيع نطاقها، وظهرت آثار الاستجابة له سواءً في التجييش لأي من طرفي الحرب أو في عمليات السرقة والنهب والإتلاف التي تعرضت لها الممتلكات العامة والخاصة والتي ظهرت كشامة في ظهر طرفي الحرب.

 

العلاقات الخارجية والتعاملات الدولية ذات التاثير المتبادل: تحليل تاريخي معمق مع التركيز على السودان وإظهار المؤامرة عليه

تراجع الدور الدولي للاتحاد السوفيتي- الأمر الذى مهد لانهياره مطلع التسعينيات من القرن الماضي- ثم بانهياره تبدل هيكل النظام الدولي من ثنائي القطبية، وما يعرف بالحرب الباردة، إلى أحادي القطبية بزعامة الهيمنة الأمريكية وتم إعلان ما سمي بالنظام العالمي الجديد والعولمة، ثم جاءت أحداث “11” سبتمبر وغزو واحتلال أفغانستان والعراق ثم ما سُمِّي الحرب على الإرهاب؛ كل ذلك أدى لتعميق سطوة وتفرد أمريكا في النظام العالمي.
فى كلمته للمؤتمر العاشر للحزب لقطر العراق قال القائد الشهيد صدام حسين (إن تراجع الدور الدولي للاتحاد السوفيتي سيخلق فراغًا في السياسة الدولية، وبحكم موازين القوى الماثلة، فإن أمريكا مرشحة لأن تملأ هذا الفراغ، إلآ أنها- وبحكم خلفيتها- لن تتعامل مع ذلك بحكمة، بل سترتكب حماقة، وإن أول ضحايا حماقتها ستكون الأمة العربية)، وقد كان.

إفشال الدولة وتعميم الفوضى وعدم الاستقرار

شهد العالم منذ الحرب العالمية الثانية “250” نزاعاً مسلحاً راح ضحيته “170” مليون شخص، وكانت الحروب التقليدية بين الدول هي المهدد للسلم والأمن، ولكن ما بعد “الحرب الباردة” انتشرت الحروب داخل الدول وهي ما أصطلح عليه بحروب الجيل الرابع تحت مبررات نشر الديمقراطية والتخلص من الدكتاتورية والدفاع عن حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي لها، وإنهاء احتكار الدولة للعمليات العسكرية بما يؤدي إلى إفشال الدولة وزعزعة استقرارها، ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية الامبريالية، ويؤدي للتدخل الدولي تحت ذرائع إنسانية، ويلاحظ انتشار هذه الحروب في دول العالم الثالث ودول ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي.
ولم تعد أنماط العلاقات الخارجية بين الدول قائمة على التعاون والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار، وإنما أصبحت نظرية تفوُّق القوة هي الأساس في تحديد استراتيجيات الدول.

في كتابه الدول المارقة اعتبر الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي أن الولايات المتحدة الأمريكية هي في طليعة الدول المارقة التي تقوم بأعمال عدوانية ولا تتقيد بالقانون الدولي وتمارس التعذيب والارهاب.
وقد شرح جون بيركنز مؤلف كتاب «اعترافات قرصان اقتصادي» الذي ترجم إلى «الاغتيال الاقتصادي للأمم” تجاربه في العمل كقاتل اقتصادي في شركة إستشارية وظفتها الحكومة الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات لإقناع الدول النامية بقبول قروض كبيرة لمشاريع البنية التحتية، تعجز عن سدادها، مما يجعل هذه الدول عرضة للتأثير والسيطرة الخارجيين، حيث تعمل بشكل فعال كشكل من أشكال الإمبريالية الاقتصادية، ويشير بيركنز إلى كيف أسهمت هذه الممارسات في اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء واستغلال الموارد الطبيعية في هذه البلدان، حيث أُعتُبر هذا الاعتراف تعرية للرأسمالية العالمية، وأثار مناقشات حول أخلاقيات التنمية الاقتصادية، ودور الشركات متعددة الجنسيات، وآثار العولمة على الدول النامية.
بعد صعود اليمين المتطرف للسلطة- ريجان في أمريكا ومارغريت تاتشر في بريطانيا- أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وتعزيز التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والكيان الصhيوني في ذات العام، تفتحت شهية النهب الإمبريالي لصالح الشركات متعددة الجنسيات المتخفية وراء مراكز صنع القرار ودوائر الاستخبارات الغربية وكارتيلات صناعة السلاح، ولم يعد سراً مخطط تقسيم المنطقة العربية والإسلامية أو ما سُمِّيَ بمخطط “برنارد لويس”
وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صhيوني الانتماء، أمريكي الجنسية، عمل مستشار لبوش- الأب والابن- وشارك في هندسة غزو العراق واحتلاله في عام “2003م” بعد أقسي وأطول حصار فرضته “الأمم المتحدة “على دولة عضو فيها، يقوم مخطط لويس على تفتيت دول المنطقة على أساس عرقي وطائفي ومذهبي ولغوي، ويحولها إلى كانتونات (طائفية، مذهبية … الخ)، ويعطي مبرراً وشرعية للكيان الص يوني، بما أن كل طائفة ستكون لها دولة، فوجود دولة يهودية يصبح مبرراً من الناحية الأخلاقية.
في عام “1983م” وافق الكونجرس الأمريكي في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس وأصبح ضمن الاستراتيجية الأمريكية العليا، وفي العام “2013م” نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية خريطة تظهر فيها خمس دول بالشرق الأوسط وقد قسمت إلى “14” دولة، شملت السودان الذي سيقسم إلى “4” دويلات، هي دويلة النوبة المتكاملة مع دويلة النوبة في الأراضي المصرية وعاصمتها أسوان، دويلة الشمال السوداني الإسلامي، دويلة الجنوب السوداني المسيحي، ودولة دارفور.
وقد كشف بول كريغ روبرتس مساعد سكرتير الخزانة الأمريكي في عهد الرئيس ريغان في مقال بعنوان (السياسة الأمريكية الخفيةّ…تحالف الايدلوجيا والمال في تحطيم الدول) – مؤامرة تحطيم السودان، قائلاً:
(في أواخر العام “1992م” نشر الباحثان في معهد السلام بواشنطن “جون تيمن” و”جاكلين ولسون” دراسة حذرت من سعي السودان – الدولة الإفريقية العربية الفقيرة والمنغمسة في حرب أهلية طويلة منذ استقلالها عن بريطانيا في خمسينيات القرن المنصرم- إلى الانتقال إلى مصاف الدول المصدرة للبترول.. وإن الإشارات السياسية التي ما انفكت ترد من ذلك البلد ذو المساحة الشاسعة كانت منذ الثمانينيات وقبل وصول الإسلاميين الراديكاليين إلى الحكم “تبعث على القلق”، مشيرين إلى فتور علاقات السودان مع الإدارات الأمريكية التي أعقبت فترة الرئيس ريجان الثانية في البيت الأبيض، بما فيها أثناء فترة الحكم الديمقراطي القصيرة في السودان “1986م”- “1989م”).

التفتيت: إعاقة الديمقراطية ونهب الثروات

واستطرد روبرتس قائلاً (لكي يتسنى لك أن تفهم دوافع هذا القلق من تطور اقتصادي يحدث في دولة فقيرة تبعد عنا آلاف الأميال عليك أن تغوص قليلاً في التاريخ وتستصحب شيئاً من الجغرافيا والثقافة أيضاً، هذا القطر المطلوب ترويضه يحتل موقعاً انتقالياً بين أفريقيا المستعربة في الشمال وأفريقيا السوداء في الجنوب، هذا ما تقوله الجغرافيا، أما ما يقوله التاريخ فهو أن هذا البلد ما انفك منذ عهد بعيد يحاول تصدير (ثوراته) المتعددة والمختلفة للجوار الإقليمي، منذ عهد الفراعنة القدماء حين دكت خيوله أبواب مصر حتى تخوم رفح، وإلى عهد الثورة المهداوية التي سيرت الجيوش إلى مصر وأثيوبيا، وحتى الحاضر القريب حين استشعر حلفاء واشنطن المقربين في مصر والخليج الخطر من المد الثوري ذو النغمة المرتفعة في الخرطوم، فهو بلد طموح كبير؛ أما الثقافة فتخبرك أن البلد المذكور يقع في الفاصل الديني الحاسم بين أفريقيا المسلمة الشمالية وأفريقيا المسيحية والوثنية الجنوبية، وهو بوابة حتمية للديانتين شمالاً وجنوباً فضلا عن كونه عنصر جذب هام لقبائل غرب وشرق أفريقيا والتي اتخذته وطناً بديلاً منذ عهد بعيد مما شكل ممراً مهماً للأسلمة والتعريب في افريقيا، لذا فهو بلد خطير بالحسابات الجيوسياسية البعيدة، وقد لعبت إدارة كلنتون الأولى معظم الأدوار المهمة في هذا الصدد اذ أبرمت حزمة من الإجراءات بداية من العام “1993م” التي تجدد سنوياً والتي تفرض على هذا البلد أقسي أنواع التضييق الاقتصادي، والذي في كثير من جوانبه يمكن ان تجده مثيرا للدهشة والاستغراب، بل أنني وجدت في اثناء بحثي هذا وثيقة صادرة عن مكتب مختص بمتابعة تطبيق الإجراءات القسرية بالكونجرس تقارن الإجراءات الاقتصادية المتخذة ضد عدد من الدول، من بينها بجانب السودان كل من إيران وكوريا الشمالية وكوبا، وكان مثيراً للانتباه أن سكرتارية الخزانة الأمريكية قد استفاضت في شرح أوجه الحظر الاقتصادي على السودان في بند التعاملات المالية بأكثر مما فعلت لكل الدول الأخرى بما فيها إيران نفسها. وفي عهد الإدارة الجمهورية التي خلفت كلنتون في البيت الأبيض سارت الأمور إلى اتجاه آخر، إذ باتت الإدارة الأمريكية تضغط في اتجاه وقف الحرب الأهلية بين الجنوب المسيحي والشمال المسلم وإجراء استفتاء شعبي من المتوقع ان تؤدي نتيجته إلى انفصال جنوب السودان – الذي تقع معظم آبار البترول فيه، في ذات الحين الذي كانت فيه أصابعها الماكرة تذكي خلسة نار حرب أخرى في إقليم دارفور، سحب الجنوب ببتروله، وإيقاد نار حرب بديلة هذه المرة داخل الكيان ذو الغالبية المسلمة الأكثر تجانساً كان هو الخطة البديلة التي خطط لها المحافظون الجدد، وكان واضحاً للأشخاص العالمين ببواطن الإدارة الأمريكية، إن الهدف النهائي هو ضرب السودان اقتصاديا وإيقاع ضرر هيكلي يمنعه من معاودة طموحه القديم)
وكشف روبرتس أن ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أعدت خطة لتمرير قرار في مجلس الأمن بفرض حظر على تصدير الذهب من السودان بعد أن انفصل الجنوب ببتروله مستعينين ببعض المنظمات والأفراد ذوي الصلات المريبة لكي يقولوا بصوت عالٍ أن الذهب يُستغل في تأجيج الحرب الأهلية، ولكن مشروع القرار فشل باعتراض روسيا والصين عليه، وختم روبرت مقاله بقوله: (قال لي موظف كبير في منظمة إغاثة غربية: عجزت عن فهم هذه السياسة- يقصد التدابير الاقتصادية الأمريكية – فالحكام والطبقة الغنية لا يتأثرون بها، وفي نفس الحين لا يبدو أنها ناجحة في إرغام السلطة على التنحي، قلت له ببساطة شديدة يا صديقي أنت أسأت قراءة العنوان، هذه السياسة ليست لها علاقة بنظام الحكم الحالي، هذه مجرد ذريعة ذكية، المقصود هو تدمير الدولة نفسها وتكبيلها بشكل نهائي، ولا يحتاج الأمر أكثر من أن تكون ملماً بطريقة تفكير النخبة السياسية في واشنطن).

التحالف الإمبريالى الصhيونى: تبادل الأدوار في إضعاف الدولة وإنهاك المجتمع وتقسيم السودان

لا يختلف تفكير النخب الحاكمة في واشنطن تجاه السودان ومحيطه العربي الإفريقي عن تفكير النخب الصhيونية بالرجوع إلى التصريحات والمذكرات، ومن قبل ذلك برتكولات بني صhيون ففي مذكرات “غولدا مائير” التي أشارت فيها وهي تخاطب دبلوماسيين وأمنيين (عليكم بإقامة علاقات خاصة مع المسؤولين الحكوميين والقيادات المعارضة لهم- على السواء- لا سيما من يحملون السلاح في وجههم، وتفهمون ماذا أقصد بالعلاقات الخاصة، ذلك ليس حباً في سواد لون بشرتهم أو عيونهم، وإنما لنسيطر على مياههم وثرواتهم) إلى اعترافات مدير الاستخبارات الإسرائيلي قبل “14” عاماً عن دورهم في فصل الجنوب وتدريب وتزويد الفصائل المسلحة في السودان بالعتاد والسلاح، بل والمشاركة مع بعضها في عمليات خاصة، وما أشار اليه مدير الأمن الداخلي- الوزير الحالي في حكومة المجرم نتنياهو في إحدى محاضراته ( “وجود” السودان، القطر العربي الأفريقي بهذا الاتساع وبامكانياته الهائلة يشكل تهديد حقيقى لأمن “إسرائيل”)
وبأي حال لا يمكن عزل الصلات والزيارات المتكررة التي تبادلتها إبان الفترة الانتقالية، قيادات الجيش وقيادات الدعم السريع مع العدو الصuيوني، وما نجم عنها من تفاهمات أمنية واستخباراتية واقتصادية- العلنية منها أوالسرية- والتي وجدت طريقها للإعلام الاسرائيلي عن مخطط التحالف الإمبريالي الصhيوني في إضعاف وتفتيت السودان وإعاقة انتقاله الديمقراطي،
كما وأن لقاء (البرهان- نتنياهو) بيوغندا، واللقاءات المتكررة لقيادات الدعم السريع بمسؤولين “إسرائيليين”، والسماح لوفد عسكري صhيوني بزيارة منشآت التصنيع العسكري، وإقدام مجلس الوزراء الانتقالي على إلغاء قانون مقاطعة “اسرائيل”، كل ذلك كشف استهانة تلك الأطراف بالأمن القومي وضحالة وعيها بمخاطر التحالف الإمبريالي الصهuيوني على الوحدة والانتقال الديمقراطي على أقل تقدير. وتبديلها- على الرغم من أنها ليست من مهام الفترة الانتقالية ولا من اختصاصاتها وكونها باطلة ولا مشروعية لها- تبديلها لمفهوم و نظرية الأمن القومي السوداني، في الوقت الذي بدل العدو الصhيوني استراتيجيته من الدفاع إلى الهجوم. وتغيير الموقف الوطني من القضية الفلسطينية- دعك من كونه تفريط وخيانة- هو ما مكن البرهان وقيادات الدعم السريع لاحقا على التمادي في العلاقة مع العدو الصuhوني واختطاف ملفات السلام والاقتصاد والعلاقات الخارحية من مجلس الوزراء، وصولاً للاستقواء “بإسرائيل” في تنفيذ انقلاب قوى الردة والفلول في “25” أكتوبر وتأمينه. بعد تصريح أحد المسؤولين بأن (البرهان رجلنا الأول في السودان)
وللمزيد من التفاصيل (راجع سلسلة لقاء الأستاذ على الريح السنهوري مع الإعلامي “الفوال” في أخبار اليوم بتاريخ 2022/1/25م والذي نشرته وأعادت نشره “الهدف”).

ختاماً:
نخلص إلى أن كليبتوقراطية نظام الإنقاذ وزبائنيته قد أخضعته لابتزاز الغرب الاستعماري بشقيه الأمريكي والأوروبي وألحقته بالمنظومة الرأسمالية العالمية وهي في أشرس مراحلها الليبرالية الجديدة المتوحشة، فساهم بالنتيجة في تنفيذ المخطط الإمبريالي الصhيوني.

إنّ الأزمة البنيوية، وتراكم العجز عن تحقيق مهام ما بعد الاستقلال، وتعميق الإنقاذ لأزمة التطور غير المتوازن، وإضعافها الممنهج للجيش، ومؤسسات الدولة، وإنهاك المجتمع بالحروب، والاستبداد السياسي والاجتماعي، وتغذية العنف وتعميم الحروب، وتخليق المليشيات وتوظيفها لحماية السلطة والاستمرار فيها، والتفريط في الوحدة والسيادة وتدويل الأزمة الوطنية، وإعاقة الانتقال، واستهانة مؤسسات الفترة الانتقالية بتركة الإنقاذ، وتهاونها في إزالة التمكين، واستهتارها بالأمن القومي، واحتدام الصراع بعد انقلاب أكتوبر حول التفرد بالسلطة داخل مكوناته، والعودة إليها، إضافة إلى الأطماع الإقليمية والدولية في موارد السودان وثرواته وأراضيه وشواطئه والتدخلات الإقليمية والدولية في الشؤون الداخلية للبلاد، كل تلك الأسباب قادت مجتمعة إلى الانفجار العسكري فى حرب التدمير العبثية في “15” أبريل/نيسان “2023م” .

حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)*
*اللجنة الاقتصادية
2024/5/10

_________________________________________________
تعريفات:
الكليبتوقراطية: مصطلح يشير إلى حكومة تتميز بقادة فاسدين يستغلون سلطتهم لتكديس الثروة والموارد لتحقيق مكاسب شخصية، غالبًا على حساب عامة السكان. تتميز الأنظمة الكليبتوقراطية بالفساد المستشري وانعدام المساءلة بين من هم في السلطة. وعادة ما تعطي هذه الأنظمة الأولوية لمصالحها الخاصة على رفاه مواطنيها ومبادئ الديمقراطية والعدالة.
الزبائنية : نظام سياسي واجتماعي قائم على المحسوبية مرتبط بالفساد السياسي والإداري وعلـى اسـتغلال النفـوذ والسـلطة، مـن أجـل تأميـن مصالـح خاصـة علـى حسـاب المصلحـة العامـة، أي أن صاحـب السـلطة أو النفـوذ يســتند فــي عمله إلــى استرضاء الآخرين أو اسـتمالتهم، من خلال ما يوفره لهم مــن خدمــات مقابل كسـب الـولاء وتوسـيع دائـرة المناصريـن والمؤيديـن لتشكيل السياسة العامة وعرقلة مؤسسات الدولة، كما أن الزبائنيـة الخارجيـة تنظـم العلاقـة الفاسـدة بيـن السـلطة والقـوى الخارجيـة الحاميـة لهـا من خلال التأثير على القرارات السياسية، كما سبق الإشارة إلى ذلك في مقدمة هذه الورقة.

المراجع:
1/ كتاب البعث وقضايا النضال الوطني في السودان
2/ المبحث الاقتصادي لتقريري موتمر قطر السودان الخامس والسادس.
3/ الأستاذ علي الريح السنهوري، لقاء صحفي في حلقتين، جريدة أخبار اليوم 2022/1/25م،
إعادة نشره في “الهدف”.

مقالات ذات صلة