يفتقر النظام الحاكم في السودان لأي خطة سياسية واضحة وطويلة الأمد بخصوص الحرب وما بعدها، هذا ما تثبته مواقف الدولة تجاه علاقاتها الخارجية، فمازالت القيادة السودانية تتمسك بخيار مهادنة الغرب، والسعي لإقامة علاقة تحالفية معه، بينما المشروع الغربي في السودان يسعى لتفتيت سلطة الدولة الحالية، وتفكيك المنظومة العسكرية، عبر سعيه لإطالة أمد النزاع، من دون نهاية حاسمة، لا يملك الغرب ما يقدمه للسودانيين، ولا يسعى لعلاقة استراتيجية مع السودان كشريك إقليمي رئيس.
لا جدال في أن حرب السودان المدمرة هي نتيجة مباشرة لمقاومة الجيش الوطني وعموم الوطنيين لمشروع الاتفاق الإطاري، والذي يعتبر الصفحة قبل الأخيرة في كتاب الطريق إلى الهيمنة على السودان عبر تشكيل حكومة موالية للغرب ومطيعة، كل تلك المواقف موثقة وبائنة كالشمس.
رغم كل تلك المواقف الغربية الواضحة، عناد مرعب تعبر عنه القيادة السودانية في استمرارها محاولة التماهي مع المشروع الغربي عسى ولعل أن يرضى الغرب على حكومة الرئيس “البرهان”، بلا أي اعتبار لمعاناة السودانيين، بينما يمد الشرق يده بيضاء تحمل كل الإمكانات التي تساعد الجيش الوطني في حسم معركته مع المليشيات المدعومة غربياً.
التوهان الذي يظهر في اختيار القيادة السودانية المنطقة الرمادية بخصوص تحالفاتها الدولية، هو قبل كل شيء نتيجة تراكمية لأداء مديد للقيادة الحالية تميز على الدوام بوضع السياسة في الهامش وتقديم التذاكي السياسي كعنوان للعلاقة مع العالم. ومن عناوين هذا التذاكي، تمكين المليشيات في توقيت ما، والمساهمة غير المقصودة في تعميق الانقسام السوداني بهدف إنهاء مشروع النظام البائد، وهذا أيضا يصب في نهر الانحناء للعاصفة الغربية.
حتى بعد توتر العلاقة بين الشرق والسودان إبان السنوات الأخيرة لنظام البشير، وطرد السفير الإيراني من السودان دون انتظاره جلب ثيابه من المغسلة، إرضاء للعائلة الحاكمة في الإمارات بعد الصلح، لم يرفض الحلف الشرقي مساعدة السودان في حسم قضيته المركزية، بل وأكد الوفد الروسي الذي زار السودان قبل أسبوعين على استعداد بلاده تقديم كل العون للنظام السوداني لحسم المعركة وإعادة إعمار السودان، وكذلك فعلوا (إيران- الصين- تركيا).
حتى الآن لم تتخذ القيادة قراراً حاسماً بشأن تحالفاتها الدولية، بل تحاول التذاكي، بأن تجعل من احتمالية التحالف مع الشرق قضية لابتزاز الغرب، الذي يسعى للحصول على مطامعه في السودان عبر تركيع الدولة.
إن قررت القيادة العليا البقاء في المنطقة الرمادية بشأن تحالفاتها الدولية، سيشيح العالم أجمع (شرقاً وغرباً) بوجهه عنها، وسيعمل الجميع على الإطاحة بها وصعود قيادة جديدة، قادرة على لملمة شظايا ما كسرته قيادة الرئيس “البرهان”، من دون أن تكون مشاركة الأطراف مقرونة بتوافق هذه المهمة مع الأهداف السياسية الأوسع للسعودية والإمارات، هذا تماماً ما يهرب منه الخليج، الذي يعمل إلى توظيف الأدوار العربية في انحيازات خطيرة خلف الكواليس، بهدف إدامة الصراع وتعميق دينامياته، من دون أدنى التفات حقيقي لمصاير السودانيين العزل… وللحديث بقية.
محبتي واحترامي