من المعلوم أن اجتماع قمة دول الإيغاد، الذي انعقد يوم السبت الماضي بجيبوتي، جاء بطلبٍ من الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي طالما تحدث عن تفضيله للدور الأفريقي في المساهمة في الحل السلمي لأزمة السودان الحالية .. وكان البرهان قد استبق القمة الأخيرة بزيارات لبعض دول الإيغاد وأجرى مشاورات حول زمانها ومكانها وأجندتها مع رؤساء هذه الدول، وكانت تصريحاته – أو مساعديه – بعد كل زيارة تُعَبِّر عن الارتياح لنتائجها.
من الطبيعي أن تكون وقائع اجتماع قادة دول الإيغاد مثبتة في مضابط الاجتماع – ومن الطبيعي أن يكون ذلك الإثبات قدم تم بموافقة جميع ممثلي القادة – ولكن بصرف النظر عن هذه البديهيات، فإن البيان الختامي للقمة جاء إيجابياً في اتجاه البحث عن حل سياسي سلمي للأزمة السودانية يبدأ بتعهد الطرفين بوقف العدائيات واعتماد خيار الحوار باللسان بديلاً لخيار المواجهة بالسِّنان .. واقترح البيان الختامي أن يبدأ هذا الحوار بلقاء مباشر بين القائد العام للقوات المسلحة وقائد قوات الدعم السريع – مع الإشارة إلى التزام القائدين بهذا المقترح – وأن يكون محل نقاش قضايا الأزمة الوطنية والتوافق على معالجات بشأنها هو العملية السياسية.
اللافت في مقررات قمة الإيغاد هو تخلي قادتها عن اللجنة الرباعية الخاصة بالسودان، التي اعترضت عليها وزارة الخارجية السودانية في وقتٍ سابق بسبب رئاسة الرئيس الكيني لها، والاستعاضة عنها بتعيين مبعوث خاص للإيغاد في السودان، وهذا يعني ضمنياً أن تتحول قيادة الإيغاد برمتها – بمن فيها الفريق البرهان – عبر مبعوثها الخاص إلى وسيط في النزاع المسلح بين القوات المسلحة والدعم السريع .. وعليه، كان من المتوقع أن يأتي الاعتراض على البيان الختامي من قوات الدعم السريع وليس من وزارة الخارجية !!
لقد مَثّل محتوى البيان الختامي لاجتماع الإيغاد بارقة أمل لملايين السودانيين الذين عصفت بهم ويلات الحرب ووضعتْ وطنهم على شفير الفوضى الشاملة والتقسيم، ولتطلعهم لاتفاقٍ عاجل على وقف إطلاق النار لحماية أرواحهم وصيانة كرامتهم الانسانية من الانتهاكات وضمان حقهم في الأمن والخدمات الأساسية وعودتهم إلى منازلهم وأعمالهم ومدارسهم، ومن ثَمّ الانخراط في مسار سياسي يفضي لتحقيق السلام والاستقرار ويضع الوطن على درب التحول المدني الديمقراطي والجيش الواحد والتنمية والعدالة والتحقيق في الانتهاكات والمحاسبة عليها .. فلمصلحة مَنْ تقف وزارة الخارجية ضد هذه المقترحات؟!، وكم يكفي كوادر الحزب المحلول المسيطرة على هذه الوزارة – من معاناة السودانيين من الموت والدماء والتدمير والتهجير والشقاء – حتى يكفوا عن تخريب أية محاولة لإنهاء الحرب لصالح مسار سياسي سلمي يُمَكِّن السودانيين من عبور مستنقع الحرب وويلاتها إلى بَرِّ السلام وانتزاع حقهم في صياغة مصيرهم الوطني من فوهات البنادق؟!
من الجيد أنْ حظيتْ نتائج قمة الإيغاد بدعم دولي واسع مع تعهدات بمواصلة السعي لتيسير الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار لفتح الطريق لمعالجة الكارثة الإنسانية وابتدار مسار الحل السياسي السلمي، ولا يزال الأمل معقوداً على أن يطغى صوت العقل والحكمة على هدير البنادق .. وقبل ذلك كله يبقى الرهان على الشعب السوداني لتوحيد إرادته لإطفاء نار الحرب، والاحتكام لمنهج سلمي وعقل جماعي نقدي يعتبر من دروس التاريخ وأخطاء الماضي ويستفيد من التجربة الحالية القاسية ويجعلها مدخلاً لحاضرٍ معافى ومستقبلٍ واعدٍ بالأحسن.