*حزب الأمة و صراعات المسارات المتفرقة زين العابدين صالح عبد الرحمن*

أن الصراع داخل أي حزب سياسي من خلال تباين الرؤى مسألة متوقعة، و لكن الصراع نفسه يجب أن تحكمه القوانين و اللوائح التي توافقت عليها عضوية الحزب، و الصراع في الفترات العادية يأتي نتيجة لتباين الرؤى حول القضايا المطروجة داخل المؤسسة الحزبية، و التي تتيح الحرية داخل الحزب و تسمح بالجدل الفكري بين الأعضاء من أجل خلق وعي متصاعد في صفوف العضوية من جانب، و العمل من أجل التغيير المطلوب في المجتمع و بنية الدولة السياسية من جانب أخر..
أن رحيل الإمام الصادق المهدي بعد فترة قصيرة من سقوط نظام الإنقاذ خلقت فراغا كبيرا في حزب الأمة، باعتبار أن الإمام كان مرجعا لفكر حزب الأمة، و أيضا كان المصدر الأساسي لتقديم المبادرات حول القضايا المطروحة في الساحة، فكانت عضوية الحزب مناط بها تطوير أفكار الإمام و دعم مبادراته، و يدور جدلها في الأشياء التي يطرحها الإمام، أن رحيل الإمام المفاجيء خلق فراغا كبيرا داخل حزب الأمة.. هذا الفراغ عجزت القيادات السياسية داخل الحزب ملئه بسبب عجزها عن ضخ أفكار، و تقديم مبادرات تستطيع أن تخلق بها حوارا وطنيا بين المجموعات المختلفة، الأمر الذي فجر صراع القيادة داخل الحزب، و يطرح سؤلا عن من يكون بديلا للإمام.. من الناحية الإدارية و ليس الفكرية و الثقافية.. اللواء “م” فضل برمة ناصر كرئيس للحزب قدراته متواضعة مقارنة بالإمام الراحل، مما أدى إلي نقل الصراع داخل أسرة الإمام من يخلف الإمام عندما ينعقد المؤتمر العام للحزب؟ لذلك بدأت تتضح تداعيات الصراع داخل الحزب، كانت بعض القيادات تعتقد؛ أن بقاء الحزب داخل تحالف سياسي محدود، و مشارك في سلطة الفترة الانتقالية بنسبة كبيرة “قسمة المحاصصات” سوف يمكن القيادة الحالية من فرض شروطها على الآخرين، لأن السلطة سوف تجعل أغلبية العضوية تلتف حولها، و لكن الفكرة فشلت و أصبح الصراع مكشوفا داخل الحزب، و لكنه غير محكوم بأجندة فكرية يمكن أن تقود الصراع لنهايات مقبولة، و أيضا تخلق تيارا قويا مساندا لحرية الرآي داخل و خارج الحزب..
كان حزب الأمة أثناء زيارة حمدوك للقاهرة قد قدم أراء و مقترحات لتحالف ” تقدم” و انتظر رد التحالف عليها لكي يحدد موقفه المساند لها أو الخروج عنها، و قدم التحالف ” تقدم” الرد لحزب الأمة الذي فشلت قيادته أن تقرأ الرد، ثم تعقد اجتماعا تتداول فيه الرد، الأمر الذي جعل بعض القيادات إضطرت أن تعقد اجتماعا لمؤسسة الرئاسة، و أصدروا بيانا، قالوا فيه ( أجتمعت مؤسسة الرئاسة يوم 18 مايو 2024م بحضور ثلاثة عشر عضوا شكلوا نصابا قانونيا برئاسة الرئيس المكلف بلإنابة الأستاذ محمد عبد الله الدومة و ذلك لمناقشة بندين الأول لآئحة تنظيم أعمال مؤسسة الرئاسة و الثاني أقر الاجتماع ضرورة الالتزام بالمؤسسية في صناعة القرارات و اختيار ممثلي الحزب، و عدم تجاوز مؤسسات الحزب المركزية صاحبة الحق في المشاركات الخارجية) القرار ذو الأهمية في الاجتماع و الذي تمت الإشارة إليه في البيان يتعلق بالمؤتمر التأسيسي لتحالف ” تقدم ” يقول البيان ( رفض الاجتماع المشاركة في أي فاعلية لا تتبع الطرق السليمة للدعوة اليها، و خاصة المؤتمر التأسيسي لتحالف ” تقدم” الذي لم يتبع فيه المؤسسية في أختيار ممثلي الحزب) و هذا رد من فعل من مؤسسة الرئاسة لحزب الأمة باعتبار أن قيادة الحزب لم تناقش رد تحالف ” تقدم ” على الأفكار التي طرح حزب الأمة، و كانت قد قدمت لحمدوك، القضية الأخرى أن رئيس الحزب برمة ناصر و أمينه العام الواثق البرير و مساعد الرئيس للشؤون الاقتصادية الصديق الصادق سوف يشاركون في المؤتمر، دون أن يعقد الحزب اجتماعا لأختيار المشاركين. لذلك أصدر برمة ناصر رئيس الحزب المكلف بيانا نقد فيه الاجتماع الذي عقد لمؤسسة رئاسة الحزب و اعتبره يتعارض مع الائحة، و أنهم سوف يواصلون المسار في المشاركة مع ” تقدم” و قال البيان ( ليس هنالك تكليف من الرئيس المكلف للحبيب محمد عبد الله الدومة و ليس من صلاحيات بقية أعضاء المؤسسة القيام بذلك وفق الدستور) و يضيف البيان ( حزب الأمة القومي عضو في تنسيقية ” تقدم” و يشارك في أعمالها و انشطتها و يعمل بفعالية لإنهاء العملية التحضيرية للمؤتمر التأسيس لتنسيقية ” تقدم”) لكن إذا رجعنا إلي الإجتماع الذي كانت قد عقدته مؤسسة الرئاسة في القاهرة يوم 3 مارس 2024م برئاسة برمة ناصر الرئيس المكلف و تسعة عشر عضو في مؤسسة الرئاسة و جميعهم موقعين على مخرجات الاجتماع.. هذه المذكرة الموقع عليها من قبل حضور الاجتماع تدحض ما جاء في بيان برمة ناصر، لأنها تعطي أغلبية مؤسسة الرئاسة أن تعقد اجتماعا لمناقشة القضايا المطروحة في الفقرة الأولى و الثاني اللتان تنصان على ( مؤسسة الرئاسة هي التي تقوم مقام الرئيس المنتخب عليه الرضوان .. يمارس الرئيس المكلف صلاحياته التي تحددها لائحة مؤسسة الرئاسة في إطار مسؤولية تضامنية و قيادة – جماعية يتخذ الرئيس القرارات من خلال مؤسسة الرئاسة .. بصورة تحدد سماتها و تفسرها لائحة المؤسسة التي سوف يتفق عليها في نهاية هذه الاجتماعات) لكن رئيس الحزب المكلف يريد أن يتخذ قرار المشاركة لحضور الاجتماع التأسيسي بمفرده و أختيار ممثلي الحزب لحضور المؤتمر..
أن الصراع الذي بدأ يظهر بشكل واضح للعلن داخل حزب الأمة القومي، لا تحكمه أجندة تفرضها قضايا حزبية داخلية لوحدها، ربما تكون هناك أجندة أخرى غير واضحة هي التي تجعل رئيس الحزب يتمسك بالمشاركة بقرار أحادي, أيضا أختيار ممثلين للحزب دون الرجوع للمؤسسية، أي أن يفارق ما تنص عليه الائحة، أن الصراع يبدو هو صراع في خلاف للرأي لكنه صراع زعامة من يخل الإمام في رئاسة الحزب، لذلك الصراع يدور بشكل خفي و ضرب تحت الحزام داخل أسرة الأمام الصغيرة، لكن الصراع نفسه الآن تتدخل تمتد فيه أنوف الخارج بشكل واضح و تحدد مساره… نسأل الله حسن البصيرة..

مقالات ذات صلة