____________
من ابداعات الكاتب القامة عبدالعزيز بركة ساكن
منقول مع التحية والتقدير للجميع
____________
*جمع (الفكي آدم) ألواحه المصنوعة من خشب اللالوب، وحرص على وضع لوحه النحاسي أسفل مخلاته، تحسّر علي سنينه الخُضر التي قضاها بين أهل القرية الذين أعلنوا له صراحة بعدم رغبتهم في خدماته كفكي مقيم وجالب للمطر بعد فشله في كل ما قام به من إستسقاء وأدعية وقد تأخر هطول المطر ذلك العام* ..
لبس فروتة النمرية كمحارب، إحتقب مخلاته التي خلت إلا من ألواحه ودواية وعدة أقلام من قصب الذرة وبعض الكسرة اليابسة، ولم ينس وضع قرن الكبش المملؤ بالشطة المتبلة علي أمل تغير الحال وإستعادة هيبته المسلوبة في دار صباح حيث غادر ولم يودع أحد..
وبعد مسيرة عدة أيام وبعد أن نال منه التعب ما ناله، وصل لإحدى القرى وصادف يوم سوق القرية .. إختار أن يستريح جوار طاحونة القرية .. بادله حجّار الطاحونة السلام بفتور، تجاذب معه أطراف الحديث وعلم منه أنه فكي مهاجر في طريقه لدار صباح..
مع استمرار الجفاف في تلك الأنحاء، قام الحجّار بإخطار كلتوم الفدادية التي تصادَف أنها في ذلك اليوم قامت بجلب بعض الزريعه لطحنها تمهيداً لإعداد مريستها يوم غدٍ حسب الجدول المتفق عليه بين الفداديات..
أبدت كلتوم رغبتها في إستضافة الفكي وذلك لخلو خلوة بيتها لنجوع زوجها ..
أرسلت الحجّار لإبلاغ أعيان القرية للإستعانة بالفكي في جلب المطر، ورفض ذلك أغلب الموجودين تحت شدرة الحراز التي تتوسط سوق القرية بزعم أنهم إكتفوا من إدعاءات أم بتارا الذين لا يستطيعون جلب نسمة هواء ناهيك عن مطرة عدييل كدا ، وقالوا أن هؤلاء الفكوة العابرين يكلفون أهل القرية فوق طاقتهم وبوجودهم تتناقص أعداد التيوس والديوك ..
أصرت كلتوم الفدادية علي إستضافة الفكي وتكفّلت بكل واجبات ضيافة الفكي وهي تصر علي ذلك بغنج ..
وقَبِل الفكي ضيافتها على مضض .. قادته الي الخلوة التي دبت فيها الحياة ، وبمجرد دخوله تولى صبي عابر مهمة ذبح ديك إختارته كلتوم بعناية وشرعت في إعداده ، وقدمت للفكي قرعة مليئة بالعسلية عين الديك عبها عباً مردفاً الصلاة على النبي .. سرعان ما إكتمل إعداد الديك مرجخيساً طاعماً قدمته الفداديه للفكي مع بعض عصيدة الرز ، وفي نفسه إغتبط لعدم نسيانه قرن الكبش المملؤ بالشطة .. أكل كما لم يأكل من قبل وغسل يده من إبريقه النحاسي وأحس ببعض النعاس .. تحامَل على نفسه وفرش فروته النمرية وأخرج ألواحهُ والدواية ، وعندما أحضرت له كلتوم دُلَنق العسلية قبلهُ بإبتسامة عريضة ودلّها أن تتكيه في طرف العنقريب ..
أعلن لها عن رغبته في الدخول في خلوة غير معلومة الأمد ، وقد تستمر عدة أيام لحين قيامه بجلب المطرة .. أردفت بحنق: خلاس أبونا الشيخ ..
إتكأ فكي آدم بعد خروج كلتوماية ليغط في نوم عميق قائلا ً في سره: (يحلها الله) .
وبعد قليل وأثناء رجوع كلتوم بعد إبلاغها للأعيان الرافضين لوجود فكي آدم في القرية بدخوله في خلوة للتضرع والدعاء لجلب المطر بدأت السحب تتكاثف بسرعة وشالت أم رويق وقالت وررر .. مطراً لم تشهد القرية مثيلا ً له في السنين الماضية ..
أسرعت كلتوم للفكي وهي تصرخ فرحاً بهطول المطر وطلباً للمزيد من البركة .. قام من نومه مغاضباً وخرج متلفحاً فروته من جلد النمر وحمل عصاتة أم شعقات متوجهاً للسوق الذي صار رواده يتجارون طلباً للإحتماء من المطر الغزير الذي تواصل إنهماره .. قصد الفكي حرازة الأعيان الذين وقفوا مشدوهين نادمين علي مجانبتهم للصواب القائل باحتفائهم بمقدم الشيخ الذي رفع عصاته من أسفلها مشيراً بها للسماء في زهو خالتطه سكرته النهارية صائحاً فيهم بتشفي : *هيييي عيال النجس، كفاكم ولا نزيديكم ؟*
✍🏻 *عبد العزيز بركه ساكن*