واقعنا الان يعبر عن مشروع الميليشيا الذي دمر الماضي، ويدمر الحاضر، ويفتت المستقبل إلى هياكل متنازعة تقدم للأجيال القادمة وعداً بالتخلف، والعنف، والاستبداد.
وسط هذا الركام والصورة القاتمة ، بدأ العقل السياسي الذي يقود الدولة يتفتق عن خطوات جاءت متأخرة ، ولكنها منتظرة منذ اندلاع الحرب ، فتوجه الدولة إلى التحالف مع الشرق يعني أن مشروع الدولة المستقرة في مستقبلها بدأ يتشكل .
زيارة رئيس مجلس السيادة “البرهان” إلى الصين برفقة وفد وزاري كبير ، لمناقشة العديد من الملفات الاقتصادية والعسكرية، هو الخطوة الأهم في طريق التحالف السوداني الشرقي ، حيث سبقتها خطوات حكومية بدأت بزيارة نائبه “عقار” العام الماضي ، ولجان عسكرية ومدنية كانت تلتقي القيادة الصينية ، الروسية، التركية، الإيرانية ، في سبيل توضيح ملامح العلاقات الخارجية السودانية المبنية على المصالح .
إبان نظام “البشير” ، عندما كانت الدولة واضحة المعالم والمشروع بغض النظر عن اختلافنا معه ،كانت تكنولوجيا الحلفاء وموارد السودان الضخمة يصنعان قوة اقتصادية سودانية واعدة .
نقبت “الصين” الحليفة عن البترول ، حتى أصبح “مزيج النيل” على شاشات البورصة العالمية ، وبلغت قيمة الدولار جنيهين ونصف ، وبالتالي حدثت طفرة على مستوى منشآت البنى التحتية ، حيث شيدت الجسور ، الطرق القومية ، النهضة العمرانية بوسط العاصمة ، كان السودان قوياً، قادراً على مقاومة مشروع الاستعمار الغربي واذرعه المحلية ، ملايين الناس جاءوا إلى السودان يعملون ويحلمون ويسعون ويثرون.
ولكن بعد سقوط نظام “البشير” ، وفض التحالف مع المجموعة الشرقية لصالح الحلف الغربي ، أصبح السودانيين بين لاجئ ونازح جميعهم يفضلون الموت على البقاء في شقاء بلدهم ، وليس وطنهم لأن هذا التعبير فقد معناه تماماً، نتاج سياسات النظام حليف الغرب ، لأن البلد الذي لا تطيق الحياة فيه، وتفضل عليه أي غربة خلف أي بحر، أو محيط، أو سلسلة جبال، هو ليس وطناً.
خمس أعوام عجاف ، التحف التحالف السياسي المدعوم من الغرب ، بغطاء الثورة كي يبرر كل هذا الفشل والفساد والخيانة ،حتى قررت المليشيات المدعومة من الغرب عبر وكلاءه بالخليج العربي ، فرض فشلها في تحقيق أهداف “الكفيل” بالانتقام من نجاح سواها ، بتدمير كل النهضة التي صنعها النظام السابق حليف الشرق، بينما يحصي حلفاءها السياسيين ضحاياها كأنهم يحصون للجزار قطيعه، ويضعون الورود على قبورهم ، ولسان حالهم يقول:” كلفنا السفاح بأن نقوم بهذا الدور بدقة ومسؤولية”.
أخطرُ ما في حرب السودان ، أنها تدور في وضعٍ دولي شديد الخطورة. يعيش العالم اليوم بلا صمامات أمان. لا مجلس الأمن بإمكانه انصاف الضحايا السودانيين ، ولا الأمم المتحدة ، لأن العلاقات داخل نادي الكبار يحكمها الحلف القوي .
كما قال أمير الشعراء “احمد شوقي” :”وللحرية الحمراء باب بكل يد مُضرجة يدق”.سدد السودانيين فاتورة خلاصهم من استعمار الغرب ، وكانت باهظة الثمن ،لأن باب الحرية ملطخ بالدم على مر العصور.
محبتي واحترامي
https://www.facebook.com/share/p/VL1Q9irLJ9DjwHSM/?mibextid=oFDknk