ترددت كثيرا فى كتابت هذا المقال ولكن قلته أشارك بيهو فى توضيح بعض النقاط فى العلاقة فى ممارسة الطب وتجنب بعض الأخطاء فى المستقبل والاستفادة من هذه الحرب الكريهة فى تغيير بعض نواحى الحياة الطبية للافضل. قررت ان اكتب عن علاقتى ببروف داوود مصطفى (رضى الله عنه) مستندا على الأرث الأخلاقى للبروف. كغيرى من طلاب كلية الطب جامعة الخرطوم تعلمنا على يد البروف ومجموعة من الاساتذة الأجلاء، وبعد التخرج وانتهاء فترة الامتياز كنا نحضر نشاطات البروف فى مستشفى الخرطوم التعليمى ومستشفى الشعب ثم تدربنا معه اثناء فترة نواب الاخصائيين لثلاثة سنوات،وبعد ذلك ومن نعم الله على ان عملت كاخصائ مع البروف مدة اربعة عشر عام وهذه الفرصة لم تتاح لاحد غيرى والحمد لله. اثناء هذه الفترة اتيحت لى ان ارى الكثير من الاخلاق الطبية التى تنزل على الواقع.
كان النشاط الاسبوعى للبروف كل الاتى:
مواعيد العمل من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثالثة عصرا.
يومى السبت والخميس عيادات محولة ،الخميس عيادة عامة لكل المرض فى مستشفى الشعب اما السبت فعيادة محولة بمكتبة بمستشفى الخرطوم وهى للحالات الخاصة التى تحتاج لدراسة ادق وموسعة وايضا تحتاج لراى استشاريين اخرين من تخصصات مختلفة.
الاحد والاربعاء المرور العام على المرضى المنومين فى مستشفى الشعب والخرطوم.
الثلاثاء يوم تدريس مجموعة طلاب طب الخرطوم الصف السادس.
الاثنين اجتماع الحالات المستعصية والنادرة لاساتذة كلية الطب بقاعة بروف داوود.
وهناك محاضرة كل اربعاء بعد صلاة المغرب بكلية الطب جامعة الخرطوم ويتم فيها مدارسة وشرح حالات امراض الجهاز العصبى.
بالاضافة للمرور الليلى اليومى ومرور يوم الجمعة الصباحى، وكذلك المرور الصباحى يوم العيد ولا اذكر انو فى يوم عيد عيدت على اهلى قبل الذهاب للمستشفى للمعايدة على المرض واشهد الله اننى لم احضر يوم عيد لمعايدة المرض الى ووجدت البروف امامى!!!!
كنت لا أحتاج للنصح والتوضيح الشفوى للممارسة الاخلاقية للطب فكل فضائل الأخلاق منزلة فى الواقع ،اذكر مرتين فقط خلال هذه السنين نصحنى فيهما البروف كلاميا ،مرة جاء العنبر ولم يجدنى وعندما حضرت سألنى اين كنت فاخبرته انى ذهبت للفطور فنبهنى بطيبة نفس انو احسن أفطر فى البيت لانو الوقت هنا للعيانين، اما التنبيه الثانى ولا اتذكر ماذا فعلت! ولكنه نادانى المكتب وقال لى بالحرف الواحد انو احسن حاجة انو الواحد يعتبر المريض واحد من ناس بيتهم!!!!
ومن اهتمامو بزمن المريض مرة واحد من الزملاء الدكاترة توفى والده ،نادانى البروف فى مكتبة وقال لى ياابشر دكتور فلان توفى والده فقلته ليهو نعم فرد على خلاص نمشى ليهو بعد نهاية الشغل،(طبعا معظم الناس فى المستشفى ذهبوا للعزاء اثناء فترة الدوام.)
اذكرمرة جيت المستشفى الساعة الثامنة والخمس دقائق فسألنى انت ياابشر المواصلات فيها زحمة(كناية عن التاخير). وكذلك اذكر فى احدى الايام كان البروف مريضا وكان فى ذلك الوقت يشرف على رسالة الدكتوراة البحثية فى الجهاز الغصبى بتاعتى وعندما وصلت لمنزلهم بنمرة اثنين وكان الوقت الساعة الثانية والنصف ظهرا .اولا بالرغم من مرضه(وكان مريضا جدا) وجدته يقراء ويصحح فى الرسالة وثانيا نظر الى متسأئلا انت يابشر الشغل بقى ينتهى بدرى ولا شنو؟
مرة فى العيادة المحولة احدى المرضى وهى تعانى من مرض التصلب الرويحى لم تمضر العيادة المحولة يوم الخميس فسالنى عنها نهاية العيادة وفى واحد من الاطباء النواب قال بعرفه فسأله البروف بتعرف بيتهم فقال الطبيب النأئب نعم وكانت دهشى انو البروفسير قال لى احسن يابشر نمشى نشوفه فى بيتهم وقد كان ذهبنا لبيت المريضةفى الصحافة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
اذكر فى يوم جمعة كنا فى احتفال دينى بمنزل بروف ارباب وخرجنا منه متاخرين فى الليل (الساعة الثانية عشر ليلا) ونحن مارين بمستشفى الشعب قلت لمرافقى بدام مانحنا وصلنا مستشفى الشعب حقو ندخل نشوف عندنا مريضة تعبانه شويه شوفتها اليوم الجمعة صباحا مع البروف وعندما دخلنا العنبر وجدنا البروف بجانب المريضة.
البروف ماكان محتاج انو يوضح لى انو الالتزام بالعمل ضرورى واوعك تقارن مرتبك بعملك وتقول انا بشتغل على قدر قروش المرتب وكذلك اعلم انو لو ذهبت ساعة للعزاء خارج النستشفى فجزء من مرتبك حرام،وكذلك من الفضائل ان تطور نفسك طبيا لان ذلك ينعكس على المرضى.
الزول مادام رضاء انو يقراء الطب لازم يلتزم بقواعده وادابه ،الناس اثناء وبعد الحرب دى لازم تحدث تغيرات فى الالتزام الحضورى فى المستشفيات للكبار والصغار .طبعا هناك الكثير من التغيرات الكونية والمفاهيم المختلفة التى دخلت فى المجال الطبى نعمل على استصحاب ماهو يمشى مع عاداتنا واعرافنا بدون ان نخل بجوهر القضية.
وان كان هناك فارق زمنى ومكانى فعلينا ان نستفيد من الحراك الطبى لاساتذتنا الكبار رحمة الله عليهم.
ملحوظة كل الكلام البتكلم عنو ده وشغلى مع البروف كان عمره تعدى السبعين وتوفى لرحمة الله وقد تجاوز منتصف الثمانين وكان يعمل حتى اخر ايامة رحمة الله عليه.
د،ابشر حسين
واحد من تلاميذ بروف داوود مصطفى رحمة الله عليه.