*تحت القصف وسط الفوضي وفي قمة الماساة.. احمد مكاوي قنتي ٣/ ١/ ٢٠٢٤م*

تحت القصف وسط الفوضي وفي قمة الماساة نكتب __
يا ضال الطريق ميل علي اهل القري __
~_~_~_~_~_~
انها الحرب ايها الساده وانه قدر الله المكتوب وليس علينا الا الصبر ورسولنا الكريم يبشرنا بالخيرية في الضراء اذا صبرنا وبمثلها في السراء اذا شكرنا فصبرا جميل والله المستعان ~ في منتصف نهار السبت الموافق ٢٥ /١٢/ ٢٠٢٣م __ انفجرت مدني عاصمة الجزيره لهبا ونارا عندما تدفقت جحافل الجنجويد عبر كبري حنتوب يمتطون الدرجات الناريه ولاندكروزرات الموت المدججه بمختلف انواع الاسلحة عليها جماعات وجوههم كالحه ومغبره يكورون عمائم كبيرة علي رؤوسهم عيونهم محمره مخمورون مغيبون بفعل فاعل كانهم شياطين تخرج من افواه الجحيم ~
كانوا يطلقون النار من كل اتجاه وفي كل اتجاه فعمت الفوضي والخوف فخرج الناس للشوارع المهترئه والاذقة المتربه وانحشروا تحت الاشجار وخلف الجدران الاسمنتيه فتذكرنا يوم الحشر ~ وبعد هذا الهياج الفوضوي سار الحشد في تدفقه المزعور خروجا من مدني تحفهم اصوات الرصاص وصراخ الاطفال وعويل النساء ~
خرجوا في ظروف بالغة التعقيد لا مال ولا طعام ولا غطاء يقيهم البرد ~ كبار السن والمرضي والنساء والاطفال والشباب والطرقات ازدحام وغبار وقعقة السلاح تصم الاذان ~
هذا هو حال مدني حاضرة الجزيره في تلك الساعات الاولي من هذا الهجوم الدموي المحموم في هذا اليوم وكنت قد دخلتها قبل يومين من غزوة الجنجويد لاداء واجب عزاء كما ذكرت في مقال سابق وقد رايتها كعجوز شمطاء طاعنة في السن تردي اثمال باليه حزينه باكيه شوارعها متربه تتوسطها اكوام الزباله وقد كتمت جموع الوافدين علي انفاسها وضغطت علي مرافقها الهشه ~
ورغما عن ذلك كنت احسبها امنة مطمئنه ياتيها عيشها رغدا قبل هذا التاريخ ولكن _ !
لا اريد ان اكتب من خان ومن تقاعس ومن غدر ومن صفق حامدا شاكرا الجنجويد تتار العصر الحديث ~ وللناس رب يحميهم ~
حرب مدني جزء من الحرب علي كل اهل السودان مهما حاول البعص ان يدهنها بطلاء الديمقراطية المفتري عليها وليس حربا ضد الفلول كما يدعون ~ فالحرب الذي عايشتها في مدني هي حرب ضد كل اهل السودان لا استثناء فيها لاحد ولا شفقه الاطفال والنساء وكبار السن والمرضي ~ كل من ينتمي لحزب وكل من لا يتعاطي السياسه ولا يميزها ~ راعي الضان في فيافي السودان ~ والفقراء في قاع المدن داخل بيوت الصفيح ~ رجلا كان ام امراة كل القبائل والاثنيات ~ عرب وزرقه ~ كل مؤسسات الدوله وبيوت الناس ذهبهم ومالهم واماكن عبادتهم ومعيشتهم ~ وكل من لا ينتمي اليهم فهو هدف لتلك الجماعات العطشي للدماء وجوههم كالحه عليها قبره شهيتهم مفتوحه للقتل واراقة الدماء يكورون عماماتهم علي رؤوسهم وعيونهم محمره ومغيبون بفعل فاعل تراهم كانهم خارجون من فواهة الجحيم ~
تلك نظرة اولي _
وفي مدني بكيت مرتين وتبسمت خارجها مره ~
ايها الساده لقد كتب التاريخ عن قبائل التتار وهجمتهم علي جيرانهم وعلي الدولة الاسلامية وحاضرتها بغداد واحالوها الي رماد وقتلوا اهلها وسبوا نسائها ~ وكنت اظن ان التاريخ لا يعيد نفسه الا بعد ان رايت تدفق الجنجويد يدفعهم حقدهم علي كل اهل السودان ~
فعفوا ايها الساده فلقد رايت التاريخ يعيد نفسه هنا واكاد اجزم بان هؤلاء الجنجويديون قد زادوا عليه كيل بعير تنمرا وحقدا ووحشيه ~ فقد رايت بام عيني ونحن نخرج الي الشارع بداية السلب والنهب واذلال الناس وسيارتان يوقفها صبيان مدججان بالسلاح ممن ينتمون الي قوات النهب السريع وينزلوا منها السائق وامه العاجزه واطفاله وينهبوا ماله وهو يتوسل لهم ان اتركوا لي سيارتي من اجل ان احمل اليها امي العاجزه ~
ثم اراد الرجل ان ينقذ الي قلب الصبي الجنجويدي وهو يقول __ يا ولدي انت ما عندك ام ؟
فجاء الرد الصادم من الفتي الجنجويدي __
يازول انا ما عندي ام ولا اب _ في تجاوز لكل انواع الادب والاحترام ~~
(يازول) فلم يقل له ~ ياحاج ~ او يعم او ياخال ~
ورغما عن تلك التوسلات تمت الشفشفه بنجاح دون ان يطرف لهما جفن والوالد المتوسل تسيل دموعه مدرارا وهو يحاول ان يداريها من والدته العاجزه وابنائه المرتجفون ~
وافعال رايناها تخدش الحياة لا استطيع كتابتها هنا والصفحة متاحه واللبيب بالاشارة يفهم و__ وو الخ
يا الهي من اين اتي هؤلاء واين من ام القمتهم ثديها وتدفوا بحضنها واين من ارض لعبوا عليها ~ كثيرا ما انتباني شعور بان هولاء ما هم الا قوم ياجوج وماجوج ~
خرجنا وسط الفوضي ومع تدفق الناس المزعوره دون هدي ودون تخطيط نسير في اتجاه الجنوب ساهمين وعقلي قد توقف عن التفكير ~ كانت تسير بجانبي طفلة من اهلي وكانت مزعوره وسيارات الجنجويد الشيطانيه التي تحمل الموت الزؤوم تجوب الطرقات وعند محازاتنا لرتل من لانكدروزرات الموت الجنجويديه فاذا هم يطلقون زخات من الاعيره الناريه فينفرط عقدنا ~
وتنلفت الطفلة المرافقه من ايدينا لالحق بها وقد وجدتها صارخه مزعوره قلبها ينتفض بقوه ~
ضممتها الي صدري وقلت لها ~~ يا صغيرتي لاتخافي فهو احتفال وهذه مجرد العاب ناريه ونحن ذاهبون الي رحله فلم تصدقني وكانت تردد (نجري نجري بس عاوزين يقتلونا) قاتلهم الله اين ما كانوا ~ ويتكرر المشهد ~
فتعود الفوضي الي المكان __
يا الهي لماذا يطلقون النار وسط النساء ؟
لماذا يفزعون الاطفال ؟
من اين اتي هولاء ؟
اليس لهم اباء وامهاتن قد ارضعنهن كبقية البشر ~
ويستمر تدفقنا الفوضوي المتوتر في خروج جهة الجنوب نحو المجهول والصمت التام يعم الجميع حيث كنا نتفادي المرور علي شارع الاسفلت الذي تجوبه لاندكروزرات الجنجويد الشيطانيه ونسير بمحاذاته ~
منذ خروجنا من مدني وسط هذه الفوضي المزعوره كنت قد لاحظت ان شيخ في نهاية العقد السابع من عمره يجلس علي كرسي متحرك يدفعه صبي عمره لا يتجاوز الثلاثة عشره عاما ومعه بنتان صغريتان اقل من الصبي عمرا تحملان شنطه ولفافتان اكبر من حجمهما ترافقهم شابه في الثلاثينات من عمرها تقريبا اظنها بنته وهولاء احفاده~
اشفت علي الشيخ وقد ملت نحوه مواسيا _
قلت له ونحن نمر بجوار مسجد ياحاج ~ ادخل الي هذا المسجد لتشرب الماء وتقضي حاجتك ~
قال لي يا ولدي انا اقضي حجتي فوق هذا الكرسي ونظرت فاذا بقسطره للبول مغروسة بجسده ~ قلت له اين تذهب اليس لك معارف تذهب اليهم __
قال ( انا ماعندي زول ~ ماشي علي باب الله)
عندها لم استطيع ان اتحكم علي دموعي التي سالت مدرارا وقلت في سري (اذا لن يضيعك الله __ فالله خيرا حافظا ~
فسرنا وسار بجانبنا يدفعه الصبي فوق كرسيه لمدة اربعه ساعات وعند وصولنا لاحد المساجد نصحته بان يبقي هنا في هذا المسجد لعل واحدا من اهل الخير يقبل بستضافته _ فقبل وعندها سالت الله ان لا تنكسر عجلة الكرسي المتحرك فتزيدهم رهقا علي رهق ~~
وبعد مسير ثمانيه ساعات بمعية الاطفال والاحمال الزائده قررنا التوجه الي سنار وبحمد الله قيض الله لنا حافله بمعرفة ابناء اخي محمد الحسن سيداحمد مكاوي وكانوا من ضمن المرافقين~
وصلنا سنار منتصف الليل وتوقفنا قرابة الثلاث ساعات عند مدخلها لانسداد الطريق من كثرة السيارات الداخله اليها ~
وفي سنار التي غادرناها اليوم التالي وجدناها متوتره مرتبكه خائفه وبعضا من الناس قد غادروها خوفا من هجمة الجنجويد ~
بعد خروجنا شرقا عبر كبري سنار مرورا بقري للشمباته وود العباس ودوبا ومابينهما ثم الخياري والفاو قرية ود الماحي وقضارف الخير حتي مدينة كسلا درة الشرق ~
هولاء القوم في هذه القري وتلك الحواضر قابلونا بكرم يفوق حتي الوصف ~ اكتب هذا ولا ازيد (يفوق حد الوصف) وهذا هو السودان الذي ارادت تلك الكلاب المسعوره وهذه الذئاب الجائعه طمس هويته وتشتيت اهله بواسطة عرب الشتات الافريقي الذين كان الله قد فرق شملهم وكتب لهم
الشتات من الجزيرة العربيه مرورا بتشاد وافريقيا الوسطي والنيجر والجابون ولكن نقول لهم ولم شايعهم للسودان رب يحميه وشياب يفديه وهاهي معسكرات الكرامة يتراص صفوفها دفاعا عن الارض والعرض في تلاحم يغيظ الجنجويد ومن شايعهم _
الله اكبر ولله الحمد ~
ولنا ع____وده اذا امد الله في العمر ~~
احمد مكاوي
قنتي ٣/ ١/ ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة