كتبت الأستاذة رشا عوض مقالا تحت عنوان (قحت وفض الاعتصام في قانون جعفر خضر وآخرين). قالت فيه أنني حكمت بأن قحت شريكة في جريمة فض الاعتصام لأن قحت قالت بالإمكان العفو عن الحق العام وحاولت تقنينه.
وفي ختام مقالها نسبتني إلى الجذريين وقالت (أن الموقف الجذري الوحيد للجذريين هو الموقف من الحرية والتغيير وغيرها من القوى المدنية الديمقراطية) .
والغريب في الأمر أن مقالها هذا جاء كرد فعل لبوست كتبته في ذكرى المجزرة، لم أذكر فيه قحت لا من قريب ولا من بعيد. فقد نص البوست بالحرف الواحد (مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 29 رمضان (3 يونيو 2019م) – جريمة ضد الإنسانية، مكتملة الأركان سهلة الإثبات، لا تسقط بالتقادم، تورطت فيها قيادة الجيش ومليشيا الجنجويد الإماراتية .. لن ننسى ولن نغفر) انتهى
رغم أن البوست لم يذكر قحت نهائيا، إلا أن الأستاذة رشا علقت على البوست قائلة (الاعتصام فضوهو القحاتة)، من باب السخرية، وقد ردد ذات المعنى، في ذات البوست، أكثر من 30 شخصا من مناصري قحت.
إن مصدر حنق المتداخلين الرئيس هو مناصرتي للجيش ونقدي لتنسيقية “تقدم” واتهامي لها بموالاة الإمارات والانحياز لمليشيا الجنجويد. وسأبين هنا. ببعض التفصيل، أن ساحة قحت لم تكن بريئة في مجزرة فض الاعتصام، فقد شاركت بتسهيل إفلات المجرمين من العقاب.
الجيش جيش السودان:
وقالت الأستاذة رشا أنني اصطف الان في خندق قتالي واحد خلف الطرف المسئول مباشرة عن جريمة فض الاعتصام.
وغابت عن الأستاذة حقيقتان: أولاهما ليس الجيش من تورط في فض الاعتصام وإنما قيادة الجيش هي التي تورطت. تكمن المشكلة في أن الأستاذة تتعامل مع الجيش ككتلة صماء وتعتبره جيشاً كيزانياً
والحقيقة الأخرى التي لم تستوعبها الأستاذة أن الجيش ظل ولعامين كاملين يقاتل بشرف لصد العدوان الإماراتي الجنجويدي على الشعب والدولة السودانية، وقدم آلاف الشهداء دفاعاً عن الأرض والعرض. وقد التف الشعب حول جيشه التفاف السوار بالمعصم.
وتريد مني الأستاذة ان أتبنى سرديتها للحرب، وأحرّم على الشعب ان يفرح بتحرير مدنه وقراه، وأصنف مناصري الجيش بالمغفلين – هذا أو اعتبر نفسي اقف مع مرتكبي مجزرة فض الاعتصام!
رشا تنحاز إلى الدعم السريع:
ولم تستطع رشا في مقالها المشار اليه، سوى أن تنحاز الى مليشيا الجنجويد و”الخلى عادتو قلت سعادتو” .
اتهمتنا رشا بالطهرانية الثورية، التي لم تمنعنا – على حد قولها – من الاصطفاف مع الجيش الذي قرر فض الاعتصام ونفذ القرار بيده رفقة الدعم السريع وأغلق بواباته في وجه الثوار وتواطأ بالصمت عن (كتائب الظل التي ارتدى أفرادها زي الدعم السريع ونفذوا القسط الاكبر من تلك الفظائع بايديهم انتقاما من الثورة، وفي حين اعتقل الدعم السريع المئات من هؤلاء لم يعتقل الجيش فردا واحداً في جريمة فض الاعتصام! والدعم السريع الذي اعتقل لم يفعل ذلك من اجل العدالة بل فعل ذلك في اطار المساومات في لعبة صراع السلطة والمال!) انتهى
رغم ان رشا تستخدم لغة مراوغة، تحمل في ظاهرها بعض الإدانات للدعم السريع ( الذي يستحيل تجنب إدانته) ولكنها قطعت، وبدون نتائج تحقيق، أن كتائب الظل هم الذين ارتدوا زي الدعم السريع، وارتكبوا القسط الاكبر من الفظائع!! اي انها برأت الدعم السريع من الجزء الأكبر من تلك الفظائع، رغم ان الذين ارتكبوها كانوا يرتدون زي الدعم السريع!
وهذا يذكرنا بالنكتة الواقعية في خبر الاعتداء على دار حزب الامة، في بداية الحرب، فقد تضمن تصريح الحزب الرسمي أن أشخاصاً يرتدون زي الدعم السريع، ويزعمون انهم دعم سريع، اعتدوا على دار الحزب!!
قحت تعفو عن مرتكبي مجزرة فض الاعتصام:
كما اسلفت لم تكن ساحة قحت بريئة فيما يخص فض الاعتصام، فقد شاركت بالمساعدة في إفلات المجرمين من العقاب.
فقد نص بند الحصانة الوارد في الفصل الرابع من الوثيقة الدستورية التي طرحتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين في العام 2022م، والذي رحبت بها قوى إعلان الحرية والتغيير، نص على (دون المساس بالحق الخاص، لا يجوز اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة شاغلي المواقع القيادية العليا بالأجهزة النظامية عند صدور الدستور بحكم مناصبهم الدستورية أو العسكرية، بشأن أي مخالفات قانونية تم ارتكابها قبل توقيع الدستور الانتقالي لسنة ٢٠٢٢م، بسبب أي فعل أو امتناع قام به أعضاء أو أفراد الأجهزة النظامية ما لم يكن ذلك الفعل أو الامتناع موضوع المخالفة ينطوي على اعتداء جسماني أمرت به القيادة العليا فردا ً أو عضواً بشكل مباشر بارتكابه) انتهى
قد تضمنت هذه المادة عفواً مجانياً عن المجرمين الذين ارتكبوا مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، وبالتالي يكون حديث الأستاذة رشا عوض عن عار القيادة العامة التي أغلقت أبوابها في وجه العزل، ودماء الشهداء التي تقطر من أصابعهم – ليس سوى قميص عثمان يرفعونه عند الحوجة لتحقيق مآربهم والمزايدة به في أسواق السياسة.
وقد خصص دستور تسييرية المحامين، المؤيد من قحت، خصص مجلس الأمن والدفاع ليكون محلاً للقتلة، دون أن يوضح صلاحيات هذا المجلس، مما يعيد إلى الأذهان فكرة مجلس السيادة “الشرفي” في الوثيقة الدستورية للعام 2019م.
إن العفو القضائي المشروط في الجرائم ضد الإنسانية فصله البروف عشاري احمد محمود خليل في كتابات عديدة عن مذبحة 3 يونيو 2019م . وشرح العفو القضائي المشروط، وفق مبادئ الأمم المتحدة، والذي يشمل جميع مكونات العدالة الانتقالية، في تكامليتها، المتمثلة في:
أولا، مكوِّن العدالة: امتثال الجاني الفرد للملاحقة الجنائية، بما فيها الخضوع للتفتيش والقبض والتحقيق الجنائي، والتقديم إلى المحاكمة في محكمة عادلة، فإن برأته المحكمة يذهب طليقا، وإن أدانته المحكمة يمكن لهذا الجاني الفرد التماس تخفيف العقوبة، مقابل الامتثال لشرط العدالة، والشروط الثلاثة الإضافية.
ثانيا، مكوِّن الحقيقة: امتثال الجاني لشرط التعاون في كشف حقيقة جرائمه، وتوفير جميع المستندات في حوزته، للأرشيف؛
ثالثا، مكوِّن التعويضات: امتثال الجاني لشرط تعويض الضحايا عن جرائمه، ابتداءاً بمصادرة ممتلكاته وأمواله لدعم صندوق الضحايا وأسرهم ومجتمعاتهم المحلية؛
رابعا، مكوِّن ضمان عدم العودة إلى إجرام الدولة، بما هو إجرام مؤسساتها وإجرام المسؤولين عن هذه المؤسسات: امتثال الجاني لشرط ضمان عدم العودة إلى نوع الإجرام هذا، مما يعني لزوم تطبيق العزل السياسي عليه، عن شغل أي منصب عام في الدولة، ويعني أيضا الخضوع للمراقبة.
هذا هو العفو القضائي المشروط.
فهل عفو دستور تسييرية نقابة المحامين تضمن الملاحقة الجنائية للمجرمين والمثول امام المحكمة؟ لا
هل عفو دستور تسييرية نقابة المحامين تضمن كشف المجرمين لحقيقة الجرائم وتوفير جميع المستندات في حوزتهم، للأرشيف؟ لا
هل عفو دستور تسييرية نقابة المحامين تضمن مصادرة ممتلكات المجرمين وأموالهم لدعم صندوق الضحايا وأسرهم ومجتمعاتهم المحلية؟ لا
هل عفو دستور تسييرية نقابة المحامين تضمن تطبيق العزل السياسي على المجرمين، وحرمانهم من شغل أي منصب عام في الدولة؟ لا، بل سيتم تعيينهم في مجلس الأمن والدفاع!!!
إن العفو الذي تبشر به رشا عوض لا علاقة له بالعدالة الانتقالية، وإنما هو تكرار لمقولات قيادات قحت التي شوهت المفهوم، كتصريحات القيادي بقوى الحرية والتغيير فضل الله برمة ناصر وقوله بالحرف الواحد (طمنا اخواننا العسكريين أننا عن طريق العدالة الانتقالية لن يصيبهم أي شر) وهذا عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، كما أن حديث القانوني الدكتور نصر الدين عبد الباري في ورشة العدالة الانتقالية، مارس 2023، بأن العفو يكون في جرائم الفعل غير المباشر! يندرج في باب التآمر والتواطؤ مع القتلة، واستهانة بدماء الشهداء والمغتصبات والجرحى والمفقودين.
إن ما فعلته تسييرية نقابة المحامين وقحت كان عبارة عن “صفقة”، كما اسماها الصحفي وائل محجوب، وليس عدالة انتقالية.
وكان يمكن لرشا أن تبشر بهذه “الصفقة” وتزعم أنهم يريدون بها شراء المستقبل، بمساعدة المجتمع الدولي الذي أضحت قحت تستند على مشيئته، بعد أن أعطت قفاها للشوارع التي لا تخون.
تقدم وبراءون يتحدثون ذات اللغة:
يتناسى منسوبو تقدم أن ثورة ديسمبر هزمت المؤتمر الوطني شر هزيمة، وأنه لم يعد هنالك جسم مركزي اسمه الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني. فقد تفرقا أيدي سبأ. توهط بعضهم في ميليشيا الجنجويد من امثال حميدتي وحسبو عبد الرحمن وعبد الغفار الشريف والباشا طبيق. وناصر بعضهم الجيش وأعلن خوض الحرب معه مثل مجموعة براءون. ودعا بعضهم لوقف الحرب من أمثال مجموعة غندور. وناصر بعضهم تنسيقية تقدم مثل مجموعة المؤتمر الشعبي جناح علي الحاج. وتتصارع في المؤتمر الوطني مجموعة احمد هارون مع مجموعة ابراهيم محمود… الخ. لكن منسوبي تقدم يصرون على تضخيم أدوار “الكيزان” حتى جعلوهم يديرون هذه الحرب كما يدار مسرح العرائس!
إن تقدم وبراءون يتحدثون لغة واحدة، فحين ينتصر الجيش وتنهزم المليشيا في أي موقع، فإن مجموعة براءون يجتهدون في نسبة الانتصار اليهم، كما أن تقدم تتحدث ذات اللغة وتقول إن براءون هم الذين يقودون الحرب وإن الكيزان هم الذين يقودون الجيش، وبالتالي ينسبون انتصارات الجيش للكيزان، ولعمري هذه أكبر خدمه تقدمها تقدم للكيزان.
وعندما تقاتل مجموعات لجان المقاومة وغاضبون مع الجيش، فإن منسوبين لتقدم يجرمون هؤلاء الثوار ويصفونهم بأنهم اجسام مزروعة في الثورة بواسطة الأجهزة الأمنية، أي أن الكيزان أيضاً هم الذين يقاتلون هنا!!
وعندما يفرح السودانيون لتحرير مناطقهم بواسطة الجيش فإن الأستاذة رشا تذكرهم أن الكيزان هم الذين فعلوا ذلك، وتصفهم بالمعلوفين الذين لا يعرفون مواعيد الفرح الصحيحة!
إن تقدم ورشا يبذلون قصارى جهدهم لإقناع الناس بأن الذين حرروا (او بالأحرى سيطروا او احتلوا) ولاية سنار وولاية الجزيرة وولاية الخرطوم مؤخراً هم براءون وكيزان الجيش، وهو ذات الهدف الذي تعمل عليه مجموعة براءون ضاربين بجهود الجنود المجهولة من الجيش والمستنفرين من الثوار وعامة الشعب عرض الحائط.
لكن واقع الحال يقول أن هذه الحرب اندلعت ضد الدولة السودانية شعباً وجيشاً. وأن الشعب والجيش يخوضونها الآن لتحرير البلاد من الاستعمار الإماراتي الجنجويدي، ولتحقيق هدف ثورة ديسمبر المجيد (الجنجويد ينحل)، وأن ثوار ديسمبر الذين حاربوا دفاعا عن وطنهم هم المؤهلون لمواصلة مشوار الثورة وتحقيق أهدافها.