*لماذا تأخرت البنوك السودانية في فتح تمويل مشاريع الطاقة الشمسية* *بقلم: بكري خليفة*

يبدو أن الأقدار تُخفي في طياتها فرصًا وسط المحن. فبعد أن طالت يد التخريب محطات الكهرباء في السودان بفعل الهجمات المتكررة التي شنّتها قوات الدعم السريع – في واحدة من أبشع جرائم الحرب التي تستهدف البنية التحتية والخدمات الأساسية – وجد المواطن نفسه في ظلام دامس، حرفيًا ومعنويًا. لكن، وكما قال الله تعالى: “وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم”.
فربما تكون هذه الكارثة مدخلًا لانطلاقة طال انتظارها نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية، تلك الطاقة النظيفة، المتجددة، والمجانية التي أصبحت الخيار الأول للدول النامية في إفريقيا وخارجها.
لقد تأخر السودان كثيرًا في ركوب موجة الطاقة الشمسية رغم ما يملكه من مقومات طبيعية وبشرية تؤهله للريادة فيها.
نحن من أكثر بلدان العالم تعرضًا للشمس، ومع ذلك لم نُحوّل هذه “الشمس الحراقة” – كما تغنّى بها الشاعر – إلى مورد وطني استراتيجي. كان الأجدر بنا أن نُوطّن صناعة الألواح الشمسية وملحقاتها، لا أن نظل مستوردين خاضعين لجشع السوق.
ورغم أن الحكومة قد اتخذت خطوة إيجابية بإعفاء مدخلات الطاقة الشمسية من الجمارك، إلا أنها – للأسف – تركت الحبل على الغارب للتجار، الذين تفننوا في تسعير المعدات وفق أهوائهم. فبدلًا من أن تكون الطاقة الشمسية حلا في متناول الجميع، أصبحت حلمًا مؤجلًا لعشرات الآلاف من الأسر والعائلات، بسبب الأسعار الفلكية وضعف الرقابة.

هنا تبرز المسؤولية التاريخية للبنوك السودانية، التي تعيش منذ سنوات في حالة من الركود والتردد، حتى قبل اندلاع الحرب. ألم يحن الوقت لأن تتحرك هذه المؤسسات المصرفية من موقع المتفرج إلى موقع الفاعل؟ أليس تمويل الطاقة الشمسية، بشروط ميسرة، فرصة سانحة لتنشيط الدورة الاقتصادية، ومساعدة المواطن في تجاوز واحدة من أقسى أزماته؟
نحن لا نتحدث عن ترف، بل عن ضرورة. فالتيار الكهربائي منقطع منذ أسابيع وربما شهور في العديد من الولايات، والمواطن أصبح بين نارين: ظلام دامس أو أسعار لا تطاق. إذا فتحت البنوك أبوابها لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية، لا سيما للقطاع السكني، فإنها بذلك تقدم خدمة وطنية بامتياز، وتُسهِم في تعميم ثقافة الاستفادة من “الطاقة الربانية” التي منحنا الله إياها بلا مقابل.

ولن يكون هذا التمويل نافعًا للمنازل فقط، بل للقطاعات الزراعية والصناعية التي تحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى مصادر طاقة مستقرة لتأمين الحد الأدنى من الإنتاج والعيش.

لقد تعرض قطاع الكهرباء لتدمير ممنهج وسرقة واسعة لمكوناته، وإعادة بنائه بالكامل قد تستغرق سنوات طويلة. فما المانع إذًا من أن نبدأ فورًا بحل عملي، مرن، ومتاح، لو وجدت الإرادة والتنسيق بين الدولة، البنوك، والمجتمع؟

رسالة مفتوحة: إلى وزارة المالية، بنك السودان، واتحاد المصارف

إن هذا الصمت لم يعد مبررًا. لا يمكنكم انتظار نهاية الحرب لإصلاح ما دُمر، فالشعب يعيش المأساة الآن، ويحتاج إلى حلول عاجلة لا وعود مؤجلة. افتحوا المجال أمام البنوك لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية، وحددوا سياسات واضحة، وأصدروا ضمانات تحفز المصارف على الدخول في هذا المجال.

ولا تكتفوا بالإعفاء الجمركي. المطلوب هو ضبط السوق، دعم التصنيع المحلي، وتقديم حوافز للاستثمار في الطاقة الشمسية باعتبارها أولوية وطنية. فكما تحمّل المواطن فاتورة الحرب، يجب أن يجد اليوم ما يعينه على البقاء والصمود.

الطاقة الشمسية ليست رفاهية. إنها طوق نجاة
فمن سيتقدم أولًا: البنوك، أم الدولة، أم الاثنان معًا؟
bakrikhalifa385@gmail.com

مقالات ذات صلة