*التُقَابه… عوض أحمدان.. ارتيريا…الصديق وقت الضيق’

والبلاد تدخل الحرب فيها عامها الثاني،التي واجهت خلالها صنوفاً من التامر الدولي، الذي لم يسبق له مثيل في عصرنا الحالي….تعرّضت البلاد إلي غزو ممنهج،تم التخطيط له، للقضاء علي دولة السودان، عبر المليشيا، التي أشعلت فتيل الحرب، لتحقيق مآرب تلك الدول، التي مافتئت تقدم الدعم والسند، للمرتزقه والمتمردين، تنفيذا للمخطط الآثم، لطمس الهويه، ومحو آثار الدوله من الوجود..
في ظل هذا التامر الكبير، الذي تمدد في أنحاء البلاد، ليطال المرافق والمؤسسات، ومنازل ومتتلكات المواطنين العُزّل، تصدت القوات المسلحه،والقوات النظامية الأخري، لمجابهة المتمردين، بالبسالة، والشجاعه والخبره، وحراك المقاومة الشعبية ، التي تلاحمت صفوفها خلف القوات المسلحه، سنداً ودعماً وقتالاً، دفاعاً عن حِمي الوطن العزيز،لتكسر شوكة التمرد، وتلحق به الهزائم المتتاليه، في كل الميادين وجبهات القتال، ليكون النصر بإذن الله، قاب قوسين او أدني..
بالنظرة الفاحصه، والتأمل العميق، وقراءة ما بين سطور الحرب، بصورة متأنية، وضح للعيان، وقوع كثير من الدول التي تجاور السودان، في براثن العمالة والارتزاق،بتقديم العون ،وفتح الحدود، وتهيئة المهابط والمطارات، لوصول الإمدادات اللوجستية والبشريه، ونفخ الروح من جديد، في جسد المليشيا المتهالك، جراء الضربات الموجعه، التي اثخنت جراحها، وشتت شملها، وبددت أحلامها، بمواجهتها الخاسره، للقوات الكاسحه،التي ما زالت تتبعها وترصد تحركها الفاشل في كل مكان.
انظروا من حولكم، لما فعلته وقامت به،دول الجوار، في تشاد، ومالي، وكينيا، ويوغندا وأفريقيا الوسطي، وليبيا، وغيرها ، من دول العمالة، بزعامة تلك الدويلة، التي (عضّت) يد السودان الممدودة، بالخير والعطاء والنماء، عندما هرع (حكيمها) يطلب (نجدة) الخرطوم، ولم تكن وقتها شيئاً مذكوراً..
تعرّض السودان ولايزال، لمؤامرات معروفه، من بعض دول الجوار، ساهمت في إطالة أمد الحرب، وهذا بالطبع لا ينطبق علي كل الدول التي حفظت جوار السودان الآمن، وكان موقفها منذ اندلاع الحرب موقفاً وطنياً مشرفاً، منها، دولة إريتريا الشقيقه، بقيادة رئيسها ، اسياس افورقي، الذي لم يُلوِث يديه، ولا تاريخ بلاده، بدعم التمرد، والسماح له بإستخدام أراضيه، للنيل من سيادة السودان، الذي تجمعه بارتريا، قواسم مشتركه، في الثقافة،والتاريخ والتجارة والجوار الآمن، فقد كان الرئيس افورقي، ولايزال، للسودان، (نعم الصديق وقت الضيق)، اختار(الرفيق قبل الطريق) وفتح حدود بلاده ، للوافدين السودانين، لم يجرهم للمعسكرات جراً ولا لمراكز الإيواء، أمر بمعاملتهم كالارترين تماماً، لم نسمع عنه يوماً، انه جالس او حادث، أو حشر أنفه في أمر البلاد،التي تخوض غمار الحرب المفروضه…علاقة السودان بارتريا علاقة قديمه، قوامها الود والإحترام، لو امعنا القراءة، في بعض صفحات التعامل القديمه، في مجال الثقافة وحدها، نجد ان المرحوم الحاج محمد احمد سرور، عميد الفن ، وباعث نهضته، كان محقاً، عندما هاجر إليها في الأربعينات، مغنياً وتاجراً، يصول بتجارته بين كسلا واسمرا،التي كانت وطنه الثاني،ابتني صروحاً فخيمة، من الصداقات والعلاقات الحميمه، التي جمعته بكثير من الأسر الارتريه ، منهم أسرة، صالح كيكيا، فعند رحيل الحاج محمد احمد سرور،في اسمرا، شهر يونيو ١٩٤٦م، تم تجهيزه وتشيعه،من منزل كيكيا، إلي مقبرته الموجوده هناك، يغشاها زائراً ومترحماً، كل سوداني قادته الخطوات للوصول للجاره الشقيقه، التي تضم رفاة سرور، في قبر ، ما زال يحمل (شاهداً) من الرخام واحجار الجرانيت، نُحِتت عليه بعض أبيات من قصيدة ، الشاعر محمد عبد القادر كرف، التي ارتجلها، أمام القبر، عام ١٩٦٣م، جاء فيها، حسب إفادة الأستاذ ابو عبيدة البقاري، وقد لجأت اليه، في استعادت الأبيات، التي اسقطتها الذاكرة سهواً، لا عمداً، يقول كرف….
سَبحتْ أول ما صدّحت مُغرداً،،،،بإسم الديار وكنت ابرع مَنْ شَدا،،،،لك الروائع من اغانيك التي،،،،لا زال يسري في النفوس لها صدي،،،، يا باعث الفن الأصيل تحيةً،،،،من شاطيء النيلين يغمُرها النّدي،،،،تغشي ثراك وتستهل غمامةٌ،،،تهمي وتسقِي بالدموع المرقدا..الخ…ولا ننسي هنا بالطبع، مجهودات الطريقة الختمية،ودورها في نشر (التصوف) واهازيج الطريقه في مدن إريتريا…
في هذا المقام، ما زلت أذكر قبل سنوات، عندما اعتزمنا زيارة اسمرا، عبر قافلة ثقافيه كبري، بترتيب مع عدد من الاخوه، منهم ابوعبيدة البقاري(صاحب الفكره)، و(اللورد) سعيد ابوزيد، وغيرهما ، شرعنا في ذلك، مع عميد أسرة كيكيا، عاشق السودان، حسن كيكيا،كان وقتها بالخرطوم، ولما شارفنا علي وضع التفاصيل النهائيه، تشاء إرادة الله، ان ينتقل حسن كيكيا، إلي جوار ربه، ليتم تشيعه في موكب مهيب،إلي مقابر فاروق…
لم أسعد حتي اللحظه، بزيارة دولة إريتريا، أو أي واحدة من مدنها، (القدم ليه رافع)، الأسبوع الماضي، كنت في جارتها الرؤوم، مدينة كسلا، جئتها بعد غياب طويل، لغرض ابتغيه، ومواصلة بعض الأرحام، منهم أسرتي(اخوالنا) بالسواقي الجنوبيه، أبناء محمد احمد السخي، عبد الغني ومحمد(ابسوقي) عليهما الرحمه، في كسلا ، كانت الفرصه مواتيه، للطواف ولقاء بعض المعارف والصحاب، كان من بينهم، الأستاذ محمد الحسن احيمر، احد أعيان كسلا ومن مثقفيها الناشطين، جمعتني به الصِله، قبل سنوات، عبر مقال ، نشرته وقتها بصحيفة(الوطن)، في أعقاب رحيل الزعيم الارتري، وعاشق السودان، المرحوم حسن كيكيا، قرأه احيمر،ولامس شيئا في نفسه وسعي للقائي عبر الهاتف ، امتدت العلاقة لسنوات، حتي لقيته وجهاً، قبل الحرب بنحو ثلاثة أعوام….احيمر من المحبين إلي ارتريا، وتربطه بها صلات تجاريه ومجتمعيه،منذ أمد بعيد، لايمل الحديث، عن الثوره الارتريه، ونموذجها الفريد الذي اتخذته أسلوباً للحكم، وصدق التعامل في موازين التجاره، وأبواب الاقتصاد الأخري،وهكذا كان اباؤه…
في جلستنا تلك، أشار احيمر، إلي أمر مهم، رأيت ان انقل رأيه ومقترحه، ليصل إلي مقام المسؤول الأول، سعادة الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي يقود معركة الكرامه، وقد باتت علامات النصر، تلوح في الأفق القريب، يري ، احيمر (انا معه) ان يبادر السودان، بإرسال وفد شعبي، يمثل أهل السودان، لزيارة دولة ارتيريا، لتقديم الشكرالواجب، لسعادة الرئيس افورقي، لوقفته المسئوله، مع شعب السودان الشقيق، وهو يخوض إلي جوار جيشه حرباً ضروساً، ابانت للملاء من هو العدو ومن هو الصديق.
موقف ارتريا ورئيسها ، موقف لا تخطئه العين، يستوجب علي بلادنا شكره وتقديره، تعزيزاً للعلاقات، ودفعاً لمسيرتها إلي الأمام، فاليكن مقترح احيمر، خارطة طريق جديدة، لتقوية العلاقة بين البلدين، تتبناها وزارة الخارجيه، والجهات المعنيه،لتصبح زيارة رسمية،وشعبية، لدولة صديقه، لها مكيال واحد، تزن به مواقفها الواضحة، مع حرب البلاد وليس لها (مكيالين)، كما تفعل بعض الدول التي تتعامل مع الواقع بوجهين مختلفين، استأذن هنا روح الشاعر الكبير، تاج السر الحسن، في عليائها، لتحوير معاني بيته الشهير في قصيدته، (آسيا وافريقيا) التي غناها الكابلي بالمسرح القومي عام ١٩٦١، بحضور الروساء، ابراهيم عبود، وجمال عبد الناصر وتيتو، لأقول…ارتريا يا أخت بلادي يا شقيقة…

مقالات ذات صلة