(*وإن قلتم فاعدلوا*) ✍️ أ. زاهر إبراهيم محمد*

)

لست في سياق الدفاع عن أحد ، لا دولة ، ولا مؤسسة ، ولا فرد ، فقد علّمنا دينُنا ألا نعصم أحدًا غير المعصومين ، وألا نقبل بالمطلق إلا الحق ، بحيث ندور معه حيث دار ، ونقبله من كل من جاء به ، وأن الناس تُعرَف به ، ولا يُعرَف هو بالناس ، فكل بني آدم خطّاء ، ولا بد – بحكم عبوديته – أن يتصف بنقص أو تصدر عنه زلّة.

وعلّمنا أن نبغض الظلم والتجني وندفعه عن أنفسنا والناس ، وبخاصة متى تعلق الأمر بشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام ، كالحج والعمرة ، أو بفئام كثيرين من الناس انصرف كثيرٌ منهم بكل صدقٍ وإخلاصٍ لخدمة إخوانهم الحجاج والمعتمرين .

وقبل أن ألج في المقصود ، فما أعتقده أن الجهود المبذولة لخدمة الحجيج والمعتمرين جهود عظيمة ، كبيرة ، ومقدرة ، يُشكر من قام بها وتابعها ، وهذا الشكر لا يعني تبرئة الجهود المبذولة من نقص هنا أو خطأ هناك ، فالنقص والتقصير صفة البشر ما بقوا بشرًا ، والمهم ألّا يُصرّ عليه ، وأن يُسعى في تطويره ، وهو ما يلمسه كل أحد ، ونسأل الله أن يتمّ على الحجاج والعمار نعمته ورضاه وقبوله .

والمطلوب من كل من رأى خيرًا أن يشكره ويفرح به ويدعو للقائم عليه ، ومن كل من رأى نقصًا أو خللًا أن يسده ويقيم عوجه ، أو يقوم ببذل النصيحة الصادقة للقائم عليه ، من دون تجريح ، ولا أذية ، ولا تطاول.

ولقد رأيت ، كما رأى غيري ، برومو لأحدهم ، خلاصته أن أموال الحجاج والعمار التي يُبذلونها لنقلهم الجوي والبري وسكنهم وتنقلهم ، تُجمع ويُذهب بها لأعداء الأمة من الصليبيين والصهاينة الذين يقتلون المسلمين .
وفي مثل هذا الطرح ، ظلمٌ وتجنٍّ كبير ، يُمنع من قوله ابتداء” ، ومن تصديقه ثانيًا.
ولعل من أبرز مظاهر تجنيه ما يلي :

فيه صدٌّ لعامة المسلمين عن الحج والعمرة ، على اعتبار أن الأموال التي يدفعونها لخدمات الحج والعمرة تذهب لمعاونة الكافرين على قتل المسلمين.

أن عامة الأموال المبذولة من الحجاج والمعتمرين ، يذهب أكثرها أجورًا للفنادق والشركات والأفراد ، ويذهب أجورًا لشركات النقل الجوي والبحري والبري ، وشركات التطويف ، وهم جموع عظيمة من أبناء الحجاز الذين تفرغوا لمثل ذلك ، فكيف يُفتَرى عليهم بأن أموالهم تذهب لأعداء المسلمين ؟ وبأي حق يُفتَرى عليهم ذلك عاقلٌ راشد ؟

قد علم القاصي والداني أن لأبناء نجد والحجاز خاصة خادم الحرمين الشريفين دورًا كبيرًا ضخمًا في نصرة المستضعفين والوقوف مع قضايا الأمة ، فكيف يستحلّ قائل راشد اتهامهم بذلك ؟

أن دولة المملكة العربية السعودية ، حتى اللحظة ، ما تزال تدفع بلايين الدولارات في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر ، وتطوير البنية التحتية في منطقتي مكة والمدينة ، ولا يبلغ ما تقتطعه الدولة من مبالغ رسوم تأشيرات الحجيج عشر معشار ذلك ، فكيف لو نظرنا إلى مقابل خدمات التأمين ، والصحة المجانية ، والتوعية المختلفة ، واستنفار الدولة كلها بكافة أجهزتها لخدمة الحجاج ؟

كان بإمكان صاحب البرومو أن ينقد بصدق ، وأن يعارض بحق ، وأن ينقد بعدل ، من دون كذب وافتراء ، ومن دون تلبيس للحق بالباطل ، ومن دون إقحام شعائر الحج والعمرة ، وجوانب الحسن التي تقدمها بلاد الحرمين لخدمة ضيوف الرحمن ، في خلافه مع موقف سياسي هنا أو هناك.

وختامًا ، يا ليت صاحب البرومو تذكّر بان المعارضة لا تكون هكذا بالمطلق ، ويا ليته تذكر قول الله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا) [الأنعام: 152]، وقوله سبحانه :
(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) [المائدة: 8]، وقول النبي (ﷺ) عن الشيطان الرجيم – فضلًا عن القول في مسلم -: “صدقك وهو كذوب”، وقوله (ﷺ) عن صاحب كبير سابق زاهد حين تجاوز في موقف : “إنك امرؤ فيك جاهلية”.
حفظ الله المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا ، وسدد بالحق أمامنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اللهم سدده وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان

والله الهادى الي الصراط

✍️ أ. زاهر إبراهيم محمد

مقالات ذات صلة