حالف التوفيق القرار الذي اتخذته اللجنة العليا لتهيئة البيئة لعودة السودانيين للعاصمة. فمن العبث توجيه أي ميزانيات أو قروض أو منح لصيانة القصر الجمهوري أو المرافق الحكومية والمنشآت سواء بالعاصمة أو غيرها من مراكز الأقاليم. الصحيح أن تنتقل مقار الوزارات من قلب العاصمة وتخصيص ميزانيات صيانتها لمقابلة نفقات إعادة خدمات الصحة، الكهرباء، المياه والطرق ونحوها من الخدمات الأساسية والعمل على رقمنتها بأعجل ما يمكن. بجانب هذا القرار، وزارة المالية مطالبة بأن تتخذ قراراً بوقف استيراد واستخدام السيارات الفارهة والسلع غير الضرورية مع التشديد على تقليل نفقات تسيير أجهزة الدولة وذلك لكون أي سلوك بذخي لا يعد جريمة في حق الوطن وحسب وإنما استفزاز شديد لكل من أفقدتهم هذه الحرب كل غال ونفيس.
الحرب التي اندلعت بالسودان، وما زالت مستمرة كانت نتيجة طبيعية لتراكم قرارات فوقية لم يدفع ثمنها إلا المواطن. من جملة تسعة وستين عاماً أعقبت الاستقلال حكمت المؤسسة العسكرية لثمانين بالمائة من تلك الفترة. فقط تسعة عشر عاماً منجمة، حكمتها حكومات منتخبة أو متوافق عليها. ممارسة حق كيف ومن يحكم السودان لن يتحقق ما لم تقتنع كل مؤسسات الدولة وكياناتها الشعبية والرسمية بأن أدوارها تكاملية وليست تنافسية.
تنجح العودة الطوعية وتكون البيئة جاذبة متى كان سلوك مؤسسات الدولة وكافة المسؤولين بما يصنع الأمل ويقدم الأنموذج الذي يجعل المواطن يشعر بأن التغيير الحقيقي وإن لم يكن واقعاً فهو ممكناً. صحيح أن الخروج من حالة الحرب للسلام لا تتحقق بين عشية وضحاها وإنما بمخاض عسير وتكلفة باهظة. سيتفاجأ الجميع بأن الضرر العام والخاص بالجد كبير وأن كل مؤسسات الدولة منهارة لكن السودانيين، ومهما بلغت بهم الصعاب، سيكونون على قدر التحدي. المطلوب، بكل بساطة، أن تكون أجهزة الدولة ومن يقودونها محفزين غير محبطين للمواطن المكلوم.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
4 أغسطس 2025