*الفاشر إحترقت… ودار زغاوة على حافة المذبحة*

ما جرى في الفاشر ليس مأساة انتهت، بل دليل إدانة مفتوح ورسالة دموية مكتوبة بلحم البشر، تقول بوضوح
هكذا تفعل المليشيا حين تقرر اقتحام حاضنة، وهكذا سيكون المصير حين تصل النار إلى دار زغاوة.

الفاشر لم تُدمَّر لأنها مدينة حرب، بل لأنها مدينة موقف لأنها رفضت الانبطاح، واحتضنت القوات المشتركة، ووقفت في صف الجيش، فكان العقاب جماعيًا، وحشيًا، ومقصودًا. ما حدث هناك ليس “تجاوزات”، بل هندسة جريمة حصار حتى الجوع، قصف حتى الإنهاك، ترويع حتى الانكسار، ثم إعلام كاذب يغسل الدم بالكلمات.

اليوم، ومع اقتراب المليشيات من عمق مجتمعات الزغاوة، يصبح ما جرى في الفاشر نموذجًا جاهزًا لتكرار نفس السيناريو، نفس الأدوات، نفس القسوة، ونفس الاستخفاف بحياة الإنسان. الطيران المسيّر لا يفرّق، المدافع لا تسأل عن الهوية، والرصاص لا يعرف الرحمة. هذه ليست حربًا، هذه حملة انتقام منظمة

كل من يملك ذرة عقل يعلم أن التقدم في أراضي الزغاوة غير محسوب وخطير ومجنون لأنك حين تقتحم أرضًا مثقلة بالذاكرة والجرح، فأنت لا تفتح معركة، بل تفتح أبواب جحيم إنساني نزوح جماعي، مجاعة، تمزق اجتماعي، وامتداد النار إلى ما وراء الحدود. تشاد سوف تقف متفرجة على بحر من البشر الهاربين، والمنطقة كلها ستدفع الثمن.

لكن الجريمة لا تكتمل بالسلاح وحده.
هناك قنوات وصحف تشارك في القتل تبرّر المجازر، تلمّع القتلة وتعيد تعريف الضحية كرقم أو “أثر جانبي”. إعلام ساقط، بلا ضمير، بلا مهنة، بلا إنسانية. والأكثر فظاعة أن كثيرًا من هؤلاء من ذات المكونات، ذات الدم، ذات الأرض
أي سقوط أخلاقي هذا؟
كيف لإنسان أن يقتل أهله بالكلمة، بعد أن يقتلهم غيره بالرصاص؟
كيف لمن يعرف القرى والأسماء والوجوه أن يقف في صف السكين؟

هذا ليس خلافًا سياسيًا، بل خيانة كاملة الأركان خيانة للدم، للذاكرة وللحد الأدنى من الإنسانية. ومن يبرّر اليوم قتل الفاشر سيبرّر غدًا اجتياح دار زغاوة، ثم يقف مذهولًا حين تبتلعه النار نفسها.

أما الحديث عن الهادي إدريس والطاهر حجر، فلا مكان فيه للنعومة.
الأول ضغط، وساوم، ودفع باتجاه تمكين مشروع تأسيس في مناطق يعرف خطورتها، ويعرف طبيعة المليشيا التي لا تدخل أرضًا إلا وتتركها رمادًا.
والثاني صمت، والصمت هنا جريمة مكتملة ففي لحظات الإبادة الصمت ليس حكمة بل تواطؤ خسيس

السياسة التي تقود إلى تهجير أهلك ليست سياسة، بل دليل ميداني للمليشيا ومن يعتقد أن بإمكانه اللعب بالجغرافيا دون أن تحترق فهو إما أحمق أو غبي أو شريك في الجريمة.

ما جرى في الفاشر هو التحذير الأخير
هكذا يُكسر المدنيون
هكذا تُفرّغ المدن
وهكذا يُعاد تشكيل المكان بالقوة.

ودار زغاوة اليوم تقف أمام الحقيقة العارية
إن تُركت المليشيا تعبث، فالقادم أسوأ مما حدث في الفاشر
وإن صمت المتواطئون، فسيُكتب إسمهم في سجل العار، لا في دفاتر السياسة.

هذه ليست معركة نفوذ، بل معركة وجود
ومن يقتل أهله، أو يبرّر قتلهم، أو يصمت وهم يُذبحون لا يستحق أي حديث عن وطن أو قضية أو هامش

التاريخ لا يرحم.
والدم لا يُنسى.
والفاشر ستظل الشاهد الأول على ما يمكن أن يحدث… إن لم يُوقف هذا الجنون الآن.

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole